11 سبتمبر 2025
تسجيلأتفهم عدم قبول الولايات المتحدة لإزاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي بوسيلة لا تمت بصلة مباشرة للوسائل الديمقراطية المتعارف عليها في عوالم الديمقراطيات الراسخة في أمريكا والغرب عموما. ففي تلك العوالم الديمقراطية يزاح الرئيس المنتخب إما بالموت الطبيعي، وإما بهزيمته في انتخابات مشهودة، وإما بإكماله كل فرصه الدستورية التي ينص عليها دستور البلد المعنى. أي تغيير لرئيس منتخب خارج هذه الأطر المذكورة، هو تغيير غير دستوري وغير مقبول بصرف النظر عن فشل ذلك الرئيس أو نجاحه في إدارة شؤون الدولة والعباد. لا خلاف أن الرئيس مرسي أزيح من الرئاسة بوسيلة من خارج تلك الأطر الديمقراطية التي أشرت إليها في الفقرة المتقدمة، رغم الملايين الكثيرة التي خرجت في الثلاثين من يونيو 2013 مطالبة بإزاحته. من هنا علينا أن نفهم أن أمريكا لم تستطع أن تبلع الغصة التي غاصت في حلقها من إزاحة رئيس منتخب بوسيلة ليست من وسائل العرف الديمقراطي، لأنها تموت في حب الرئيس مرسي، أو تأييدا لسياسته، أو رغبة منها في إقامة حلف معه في المستقبل. السبب أبسط من كل هذا. السبب هو الحرص على احترام التقاليد والنواميس الديمقراطية التي أسستها أمريكا وأرستها قبل الآخرين جميعا وأهدتها للعالم. الإنسان الأمريكي الذي نشأ وترعرع في حضن هذه المفاهيم والقيم يعذر إذا غلبه أن يبلع الحكاية التي شاهدها في الثلاثين من يونيو في مصر. ويجب ألا يعد موقفه من ذلك التغيير موقفا معاديا للوضع الجديد في مصر على إطلاقه. عودة الإعلام العربي إلى نهجه المتفلت في توليد واستنساخ نظريات المؤامرة، واستولاد حكايات وحواشٍ جديدة لهذه النظريات تعيدنا إلى عهد حسن البنا وعلاقته مع الغرب، وتحديدا مع بريطانيا، وجرنا من رقابنا عنوة لكي نؤمن بعودة أبناء وأحفاد اليوم إلى السير في طريق الآباء القدامى، هو إفراط واستسهال للأمور والحيثيات، وتفريط في الاحترام الواجب لعقل الإنسان العربي الذي يطالع هذا الإعلام ويوفر له أسباب البقاء. لو سارت الأوضاع السياسية في مصر كما كان مرجوا لها، إذن لما احتاج أحد للحديث عن حلف بين أمريكا والإخوان يخطط له بليل. لأنه لا أحد يريد أن يضيّع وقته وجهده في محاولات مستحيلة لجمع الأضداد. الرئيس مرسي عندما حصّن قراراته دستوريا بحيث لم يعد أحد قادرا على تحدي ما يصدر عنه من قرارات، أو حين أغلق أذنيه عن سماع اعتراضات واحتجاجات شعبه على الطريقة التي أعد بها الدستور، أو احتجاجات فئات كثيرة من شعبه من مواد في الدستور اعتبرتها مهددة لمصالحها، عندما وقع الرئيس مرسي في تلك الأخطاء والتجاوزات، لم يكن يتعمد الإيقاع بنفسه في المهالك السياسية التي أوردته المورد الذي هو فيه اليوم تنفيذا لمؤامرة. إنما قدر أنه كان ينطلق من منطلق صحيح، فحدث الذي حدث من دون البحث عن تآمر ومتآمرين شركاء، ولا البحث عن أحلاف وحلفاء محليين، مما دار فيه إعلام نظرية المؤامرة العربي.الولايات المتحدة تعلم يقينا أنها لن تستطيع تسويق جماعة الإخوان المسلمين في هذه المنطقة من وطننا العربي بالإكراه والتآمر فوق رغبة شعوبها وقادتها. وتعلم يقينا أن مصالحها الحقيقية والإستراتيجية هي مع دول الخليج العربي التي لها موقف معلوم وثابت من هذه الجماعة. خلاصة القول: للمرة الأخيرة هي أن الموقف الأمريكي الراهن من الأوضاع في مصر، والذي بدا للبعض أنه غير متجانس مع الموقف المصري، لا يصدر عن حب ووله في الرئيس مرسي وجماعته، بقدر ما هو حرص على التقاليد والنواميس الديمقراطية التي أسستها أمريكا قبل الآخرين، ونشأ وتربى عليها الإنسان الأمريكي، وأصبح لا يطيق بديلا عنها.