14 سبتمبر 2025
تسجيلإن الأمة اليوم تتطلع إلى قيادات سياسية تعفُّ عن أموالها، وتكفُّ عن دمائها، وتلمُّ شعثها، وتوحد كلمتها، وتحسن سياستها، وتحررها من عبوديتها، بعد أن أترعت الدماء على أيدي الطغاة، وأهدرت الأموال، وانتهكت الأعراض، وامتلأت السجون بالمظلومين ببغي المجرمين، وعدوان الآثمين، ونكث الناقضين للعهود، والخارجين على الحدود، واختلطت الأوراق، وكادت أن تضيع الحقائق، ومما يجمل فى مثل هذا الحال، بيان الواجبات التي ينبغي أن ينهض بها القادة السياسيون — ولا سيما ولي الأمر المسلم — وقد أورد الماوردي ستة منها تعد في الحقيقة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وهي[1] يباشر ولي الأمر هذه الوظائف من خلال أجهزة ينتقيها ويختارها على عينه، ويٌحدد اختصاص كل جهاز منها على حدة، منعا للازدواجية، والتداخل فى الواجبات وهاك البيان أولا: — حماية البيضة (الوطن)، — (وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ) ؛ أَيْ: حِفْظُ الرَّعِيَّةِ (وَإِنْصَافُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) وهو ما يعرف حديثا بالمحافظة على الأمن والنظام العام في الدولة — والذّبّ عن الحرمات مِنْ عَدُوٍّ فِي الدِّينِ أَوْ بَاغِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أو أرض أو عرض.ليتصرّف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. وهذا ما يقوم به أفراد الشرطة — ومجندو وزارة الداخلية — الآن بتفرغ.ثانيا: — تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، — وهو ما يعرف حديثا بالدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء — حَتَّى لاَ يَظْفَرَ الأْعْدَاءُ بِثُغْرَةٍ يَنْتَهِكُونَ بِهَا مُحَرَّمًا، وَيَسْفِكُونَ فِيهَا دَمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ. وهذا ما يقوم به — مجندو وزارة الدفاع أو الحربية أو القوات المسلحة بكافة أفرعها وتخصصاتها — الآن بتفرغ كاملثالثا:الإشراف على الأمور العامة بنفسه — أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ — أَوْ بِأَعْوَانِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مُشَارَفَةَ الأْمُورِ، وَتَصَفُّحَ الأْحْوَال لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الأْمَّةِ[2] —، وحراسة الملّة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشّ الناصح. وقد قال تعالى: "يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[3]". فلم يقتصر الله تعالى على التفويض دون المباشرة، بل أمره بمباشرة الحكم بين الخلق بنفسه. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته[4]»[5] ولقد عِيب على بعض الشعراء، وصْفه الخليفة المأمون بالتفرغ للعبادة والانشغال بها عن متابعة أمور رعيته، وهذا هو محرابه الذي تعبده الله تعالى به فعن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، قال: إني بباب المأمون إذ خرج عبد الله بن السمط، فقال لي: علمت أنّ أمير المؤمنين على كماله لا يعرف الشعر! قلت له: وبم علمت ذلك؟ قال: أسمعته الساعة بيتا لو شاطرني ملكه عليه لكان قليلا، فنظر إلى نظرا شزرا كاد يصطلمني. قلت له: وما البيت؟ فأنشد:أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا... بالدّين، والناس بالدنيا مشاغيلقلت له: والله لقد حلم عليك إذ لم يؤدّبك عليه، ويلك! وإذا لم يشتغل هو بالدنيا فمن يدبّر أمرها؟ وقيل إنه قال له: ما زدته على أن وصفته بصفة عجوز فى يدها مسباحها؛ فهلا قلت كما قال جدي في عبد العزيز بن مروان:فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه... ولا عرض الدّنيا عن الدين شاغله[6]فقال: الآن علمت أنني أخطأت[7]رابعا: إقامة العدل بين الناس قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[8]"" قال تعالى" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[9]"هذا وإقامة العدل يتمثل في أمرين:1 — النظر في المظالم وتنفيذ الأحكام، بين المتشاجرين، وقطع الخصام، بين المتنازعين، بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَاعْتِمَادِ النَّصَفَةِ فِي فَصْلِهَا. حتّى تعمّ النّصفة فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم. قال تعالى:"" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَاعَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[10]"(لَو أنصف النَّاس استراح القَاضِي... — _ وَبَات كلُّ عَن أَخِيه رَاض)2 — إقامة الحدود مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ فِيهَا، وَلَا تَقْصِيرٍ عَنْهَا. لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف والاستهلاك. ويكون الجميع أمام القانون والشريعة سواء، في الصحيح، عَنْ عَائِشَةَ — رضي الله عنها — أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —؟فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —؟فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟" ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[11].