15 سبتمبر 2025

تسجيل

التشهير لا يفضي إلى مصلحة

23 يناير 2012

عندما تخترق الخطيئة حائط الصد المعزز بالقيم، وتمعن في استدراج الرغبة لتسهيل عبور المخالفات وتمريرها، وفقا لقياس هش لا تلبث أن تتضح مساوئه، سواء على مرتكب المخالفة وما يعانيه في الداخل، خصوصا الحرب الضروس مع ذاته الرافضة لهذا الإذعان المخزي للخطيئة والمتوافقة مع منطلقاته التي تأسست وفق بيئة تنحو إلى تجريد النفس من مغبة الانسياق خلف الأحاسيس المضللة أو من خلال التبرير المتكئ على الخداع والمواربة، من حيث تطويع المدارك وانتشال المنافع من دائرة الشبهة، عبر تصوير مغالط ينوء بالمفارقات فضلا عن التناقض الذي يستشعره ولا يقره فيكذب هذا الشعور وتصدقه نفسه الأمارة بالسوء، إلا أن مطرقة الواقع لا تهدأ ولا تستكين ويكاد المريب يقول خذوني، وحينما تنكشف الأغطية التي لم تعد قادرة على ستره وفق القياس المضطرب الذي بني على ضوء فرضيات المتهالك وتصورات خاطئة، فإن المعضلة تنتقل من الداخل إلى الخارج حيث المواجهة وتسليط الضوء على مساوئه، ليقف المجتمع ناقدا ناقما على سلوكه وتصرفه، ذلك أنه نسف الخشية من رب العالمين، وتهاون في غفلة صنعتها إرادته الضعيفة والتي لم تكن من القوة بمكان بل أصابها الهوان.والسؤال هنا هل التشهير بالمخالفين يسهم في إصلاحهم؟ وهل في التشهير عبرة وعظة لغيرهم؟ في تقديري أن الفريقين منهم من يطالب بالتشهير ومن يرفض التشهير كلاهما يجد المبررات لسلامة موقفه فمن يطالب بالتشهير حتما سيختار الإجابة عن السؤال الثاني وهو نعم، والفريق الرافض سيختار الإجابة بلا على السؤال الأول، إذن نحتكم إلى القياس المنطقي في هذه الناحية خصوصا المصلحة، لاسيَّما أن ديننا الحنيف أمرنا بالستر لما يترتب على ذلك من عوائد إيجابية تؤثر صلاح النفوس، والستر لا يتقاطع مع تنفيذ العقاب على المخطئ ولو كل مخطئ تم التشهير به لما بقي فرد لم يدخل هذه القائمة إلا من رحم ربي، في حين أن التشهير يسهم في تفريغ العقاب من محتواه وهو بلوغ الإصلاح وبالتالي فإن الهدف منه ربما يجلب نقيضه وهو النقمة والشعور بالانتكاس فضلا عن انعكاس هذا الأمر على أناس ليس لهم يد في هذا التجاوز من أفراد أسرته، والذين سيشعرون بالغبن في هذه الناحية، لانتفاء الإنصاف في حالة التشهير أي أن الإصابة المعنوية التي ستصيب أفراد أسرة المخطئ ليس لها ما يبررها ولا يؤخذ الإنسان بجريرة غيره. من هذا المنطلق تتجلى الحكمة البالغة، بتفعيل الستر كعنصر قيم يتيح المجال للمذنب أن يتوب من فعلته ويطهر نفسه إما بتعويض من أصابهم أو طلب الصفح منهم هذا من جانب ومن جانب آخر فإن شعور المخطئ في حالة التشهير به وفضحه أمام الناس سيغلق حدود العودة إلى رشده واستقامته، أي أن الشعور بالذنب سيتلاشى أمام قسوة التشهير، فإذا كان رب العباد غفارا لمن تاب وأناب فكيف بنا ونحن الضعفاء المعرضون لصنوف الأخطاء في حين أنه في حالة التشهير سيدفع الآخرون ثمنا لذنب لم يرتكبوه، سوى أن فرداً من أفرادها شذ عن الطريق السوي وإقحامهم في هذا الشأن أمر لا يقره العقل والمنطق، إذ ينبغي أن تتم معالجة الأسباب المؤدية للمخالفات، وفق التنوع في الطرح، المفضي إلى تتبع مصدر المخالفة، واستنتاج اللقاح من ذات المصدر، لتقوية الجهاز المناعي وتنشيطه من خلال تفعيل الرقابة الذاتية وتحري الحق وتطبيقه، فمحاربة الفساد تأتي في وأد الفكر العدائي وتحفيز الفكر المتسامح الذي ينشد السكينة والاطمئنان ولكي لا ينتج جراء ذلك أعضاء يستمرئون المخالفة كنوع من التعويض الارتدادي ومعالجة الخطأ بخطأ أشد فداحة. ويشكّل الفساد الإداري إنهاكاً معنوياً ومادياً،.وإذا كان التذكير بمغبة المعاصي على هذا النحو لا يجدي نفعاً على من ألقى السمع وهو شهيد، فإن السبيل إلى قطع دابر هؤلاء الفاسدين المفسدين هو تشديد الدور الرقابي، وعدم التراخي أو التساهل بأكل أموال الناس بالباطل، فضلاً عن إنهاك الاقتصاد وهدر المال العام بصيغ الفجة، ومن ضمن الأطر التي يمكن الاتكاء عليها بهذا الخصوص، الزيارات المفاجئة للمسؤول، فكم تحقق الزيارات آثارا إيجابية، ليس فقط فيما يخص الاهتمام والارتقاء بمستوى الأداء فحسب بل سيسهم في رفع مستوى الإحساس والشعور بالمسؤولية الأدبية إبراءً للذمة، وراحة للضمير.هذا الأسلوب الإداري لا تنحصر إيجابياته على المتلقي فقط، بل على الجميع.إن مسيرة الإصلاح تتطلب جهدا دؤوبا للارتقاء بالمستوى الأخلاقي على نحو يترجم الجهود المخلصة وفي إطار تفعيل القيم النبيلة، الداعمة لكل توجه يصبو إلى خدمة الأمة من خلال التزامها بمبادئها الثابتة والراسخة ويجب ألا ينخفض مستوى هذا الإحساس إذ إن استشراف المعالي برقي الفكر وسمو العزيمة من شأنه ترويض الرغبة وفقاً لتحكيم العقل المتقد لتنصاع وتخضع إلى مفرزة الخطأ والصواب في اختبار لا يقبل أنصاف الحلول، فإما إلى الهاوية وبئس المنقلب، وإما إلى الباقية حيث يجزي الله الصادقين بصدقهم.