14 سبتمبر 2025

تسجيل

الشعوب العربية.. ثورة خبز أم ثورة كرامة؟

23 يناير 2011

القمة الاقتصادية العربية الثانية في شرم الشيخ الأسبوع الماضي جاءت في ظروف حاسمة خلف كواليسها غليان الشعوب العربية لما يتجرعه معظمها من ويلات الجوع والبطالة وغلاء المعيشة والتضخم. الثورة الشعبية التونسية كما أسلفت في مقال الأسبوع الماضي نجمت عن الذاكرة الجماعية بل وحفزت أيضا الذاكرة الجمعية للشعوب وأنتجت ردود فعل شعبية عامة، فلا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة..، فأحداث تونس الأخيرة فجرت البركان الهامد المر الذي استدعى أن يهب القادة العرب لأن يولوا مواجهة البطالة وإيجاد فرص عمل حقيقية للشباب العربي في القمة أهمية كبرى سعيا جادا لعلاج ناجع لكثير من المشاكل والاحتقانات التي يعاني منها العالم العربي اليوم خصوصا "أن نسبة البطالة فيه تصل في المتوسط إلى %12 خلال الفترة ما بين 2005 و2008. وان هذه النسبة ترتفع إلى %30 بين الشباب حسب ما يؤكده تقرير الأمم المتحدة لعام 2010 حول "أهداف التنمية في الألفية الثانية" في الوقت الذي يشير فيه التقرير إلى "مخاوف كبيرة" من آثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي كانت واحدة من الشكاوى المتكررة في التظاهرات التي شهدتها الدول العربية أخيرا. هذا وباختلاف نسب البطالة وحجمها ونوعها في الدول العربية، فإنها كما أفادت صحيفة الحياة "تواجه الحاجة لتوفير 100 مليون فرصة عمل حتى 2020". هذه الفرص المليونية تشرئب لها الأعناق، تلك الأعناق التي لم تنتظر لتضع نفسها في مقصلة شنقا في موت بطيء كأسلوب اعتراض، بل اختارت موتها حرقا بطريقة مباغتة سريعة عاجلة كأقصى درجات عدم التحمل لتعكس مدى إلحاح حاجتها ودرجة إحباطها حتى في طريقة الموت والانتحار الذي بات ظاهرة جماعية بعد البوعزيزي في محاولات مستمرة في مصر والجزائر وموريتانيا واليمن والسودان ليس تزكية أو شرعنة لقتل النفس في حد ذاته وهو أسلوب مرفوض شرعا وثورة ولكن حيلة العاجز في سبيل إضرام فتيل ثورات أخرى لن نسميها جائعة بقدر ما يمكن أن نطلق عليها ثورات الكرامة الإنسانية التي تستدعي في كل امة وكل زمن إيجاد المأمن من أمرين هما أساسيات الحياة كما جاءت في كتابه تعالى (الإطعام من الجوع والأمن من الخوف) وبعدها تستقر كل الكرامات حتى احترام حق الحياة. تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور منها قهر الرجال، ولا أمر أصعب على الرجال من أن يجدوا أنفسهم عاجزين لا بإرادتهم بل بإرادة غيرهم عن توفير أساسيات الحياة الكريمة، خصوصا مع أعلى درجات التعليم والكفاءة في دول أو أنظمة تسلم إلى ظلم اجتماعي وطبقي عقيم يعاني منه عدد من الدول العربية في فجوات اقتصادية كبيرة يفاقم مأساتها أنها بطالة تأتي وسط تضخم وغلاء معيشي حاد وعدم عدالة في توفير فرص العيش الكريم تلك التي حولت المجتمعات العربية إلى طبقية بعض نخبها يضج بالبذخ والثراء في برج عاجي بينما تعاني أغلبية الشعوب الفقر والجوع الذي يصل في بعض الدول إلى المدقع ولا توسط بينهما فالحياة إما أبيض أو أسود ولا ملامح رمادية بينهما وسط دكتاتوريات ناجحة في استحواذ كل فرص دولها السياسية والاقتصادية بـ %99.9. والبعض الآخر في دول أخرى عربية وإن كانت أوفر حظا إلا انها تعاني تحول المجتمعات إلى طبقية مخملية برجوازية قسمت لا على مقاييس الكفاءة والعلم والفرص المتكافئة بل على مقاييس ابن من والعائلة والاسم واللقب والحظوة السياسية والاجتماعية والوساطة والمحسوبيات والتقرب زلفى... هذه هي التحديات في الكرامة الإنسانية التي تواجه الدول العربية جلها وليس فقط الدول التي انتحر من انتحر أو ثار من ثار فيها تعبيرا عن القهر والظلم، التأثير سيكون مداه مستمرا وعدوى الانتفاضات الشعبية هي عدوى هامدة لا خامدة (والعرب خير من يدرك الفرق بين المعنيين) وان تعددت أشكالها وان اختلفت التأثيرات من تونس عن غيرها من الدول التي تقدم عددا من المكتسبات الحقوقية الديمقراطية من ناحية التعبير والإعلام ومن ناحية تكوين الأحزاب والجماعات. حتى الدول النفطية مع الوفرة ليست بمعزل عن مغبات وعواقب هذه الثورات خصوصا لدى من لم يفطن أن التفاضل في التحكم في تأثير التضخم وخفض مستوى الغلاء المعيشي والحد من البطالة ليست صورية بتقدير قيمة دخل الفرد على العموم بنسب لا تطول النُخاع بقدر الحسد الدولي ذراً للرماد في العيون، أو بقرارات دعم السلع في المواسم أو وفقا للظروف السياسية أو الاقتصادية أو الآنية، ولا تعالج بتوفير شواغر لشغل مجرد أعمال تدر أي عائد على أي فرد لرصد أرقام للتقارير، نبغ الفرد أم جهل — أعني مهما كانت درجة علمه ومهاراته — حتى لا تضيع عقولٌ وأيدٍ، أعني (فكرا أو مهارة) أمام درج سكرتير أو طابع أو عربة خضار أو أغطية هواتف جوالة مقلدة، بقدر ما إن المعالجة الحقة هي معايير دولية تضع الفرصة المناسبة أمام الكفاءة البشرية المناسبة وفي موقعها المناسب بلا عنصرية أو تمييز لجنس أو طائفة أو مذهب أو قبيلة أو عائلة أو اسم أو قرابة أو حظوة أو مصلحة سواء في الحكومات الوراثية أو الجمهورية، هذا مع إدراك تقدير قيمة العقول المواطنة وحقوقها في أعمال أوطانها أمام سوق عربية فقيرة الفرص، منتهكة العرض أو مغتصبة، لم تُوحّد بعد لتقوى ولتدخل حيز المنافسة الدولية مع السوق الأوروبية أو الأسواق العالمية المشتركة. الانكواء الشعبي واضح وجلي وهو ما جعل التحرك الرسمي في سائر الدول العربية منذ الثورة التونسية ليس فقط على نطاق دول تعاني البطالة لتعلن إجراءات حكومية مثل زيادة في الرواتب والأجور للموظفين والمتقاعدين مؤخرا كما في الأردن أو إعلان مناقصات لشراء كميات من الحبوب الغذائية لتجنب نقص قد يؤثر على الأوضاع الاجتماعية كما في المغرب أو دعم التموين الحكومي في موريتانيا والسلع الأساسية في مصر وغيرها... بل حدا أيضا بدول نفطية غنية مثل الكويت إلى الإعلان عن استعدادها لتوفير المواد المدعومة بالمجان. وحدا أيضا بحوالي 200 عماني ليخرجوا في تظاهرة ضد غلاء المعيشة في مسقط يوم الاثنين الماضي، وهي وان كانت متواضعة العدد فإنها تعد سابقة ونادرة من نوعها في دول الخليج العربية النفطية. الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أثار الانتباه أمام القمة العربية الاقتصادية الثانية في شرم الشيخ الأربعاء الماضي إلى أن "النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة" وان المواطن العربي دخل في حالة "غير مسبوقة من الغضب والإحباط". فعلى الدول العربية أن تعي أنّ ثورة الكرامة... أشد من ثورة الخبز..... وأن الإحباط الشعبي هو المُوقِد لأقسى أشكال الغضب الهامد لا الخامد.... كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com