11 سبتمبر 2025
تسجيلاعذروني ولكنني فعلا بت أستشعر ما أصابني من (اكتئاب) بعد انتهاء المونديال فهل تصدقون أن هذا بات عارضا صحيا أو أزمة اصابت شعب قطر بعد انتهاء فعاليات كأس العالم في بلادنا في مساء الثامن عشر الماضي من الشهر الجاري؟! فنحن فعلا نشعر بفراغ وهذا جد لا هزل فالمونديال كان يمثل لنا جدولا نعيشه بكل ما فيه حتى ولو كان خاليا من المباريات ولكننا كنا نشعر أننا لا نزال تحت هذه الأجواء وأننا حين نخرج سوف نقابل الأرجنتينيين والأسبان والكوريين والإنجليز والبرازيليين واليابانيين والبولنديين والهولنديين والكروات والمغاربة وباقي الشعوب ومئات الآلاف من المشجعين الذين كانوا يشاركوننا الشوارع والفنادق والفعاليات والأسواق والمجمعات وكل مكان نذهب إليه خلال البطولة ولكن هل انتهى كل هذا؟! لا أريد إجابة فأنا أعرف الإجابة التي لا أريد سماعها ولكننا نعيشها حرفيا، فبطولة كأس العالم لم تكن مجرد منافسة على كرة حتى يحلق البطل عاليا باللقب والكأس ونحن نشجعه ونفرح معه بينما يحزن آخرون على ذهاب الفرصة من منتخباتهم المفضلة فأنا كنت عنابية أرجنتينية وبعد انحسار أضواء المشاركة لمنتخبنا الأول من دور المجموعات الأول بعد أداء هزيل ومستوى غير مُرض وجهت كل مشاعري وجوارحي نحو منتخب التانغو الذي لم يخيب لي أملا بجانب الملايين غيري طبعا وطار بالبشت واللقب والكأس من الدوحة حتى وسط بوينس آيرس ولكن هذا المونديال أكسبنا نحن أهل البلد ثقافة مختلفة عما اكتسبها الأجانب الذين حضروا ومنهم من تطبع فعلا بعادات أهل قطر وتقاليدهم وهي ثقافة ضرورة الحفاظ على ثقافتنا التي شعرنا أنها يمكن أن تتبدد مع بدء كأس العالم على أرضنا وأننا يمكن أن نموه مفاهيمنا بما يتناسب مع المفاهيم التي كنا نعتقد أنها يمكن أن تفرضها علينا طبيعة المونديال والأجواء التي سوف نعيشها والتعرف على مختلف الشعوب على اختلاف أجناسها وجنسياتها ولكن لا فكل ما حدث زادنا إيمانا بأن الثقافة القطرية العربية المستمدة من روح ديننا المعتدل الذي يعد دين حياة وتعايش هي من استكانت وتمكنت من أن تتسلل بين نفوس كل من زارنا من هؤلاء وأن هذا العالم قد قدم وهو متشوق ليتعرف على شيء من هذه الثقافة الجميلة والمحافظة التي نستطيع اليوم أن نعلن أننا ما عدنا نخشى من أن تنقلب الموازين في تربية أطفالنا وأن ما كنا نخشاه فيما تعلمه منهم سابقا قد يأتي المونديال ويعكسه إلى غير ما نشتهي ونريد، فالحمد لله كانت البصيرة مستنيرة ليبقى هذا الناموس متيقظا وحاضرا في هذه البطولة فاستقامت ثقافتنا على ما نتمنى ولم يعد أحد منا يفكر بأنه يوجد ما يعيب علينا أننا قد تنازلنا لأمر جوهري لمجرد أن يستقيم المونديال بيننا بل على العكس خرج الملايين من بلادنا يعبرون عن شكرهم لهذه البلاد واهلها وطيبتهم وكرمهم وتسامحهم واخلاقهم وللدين الإسلامي العظيم الذي هذّب إنسانيتنا وأنه دين معاملة قبل أن يكون دين فروض وواجبات ومظاهر، فتعرف الكثيرون على هذا الدين ومنهم من اعتنق الإسلام طواعية ومنهم ملحدون جاؤوا لنا من غير دين لا يعرفون كيف يجمعون شتات أنفسهم فوجدوها هنا، وهذا ليس بسبب كبير وعويص ولكن لأننا دولة استقامت البطولة على أرضها حين استقامت الخطة التثقيفية التي عرفت كيف تدير البطولة إلى ما نريده نحن وبحسب معايير الفيفا وليس كما يريد أي أحد من القارة الشقراء لنا وهذا هو المكسب الحقيقي الذي سوف يظل باقيا ومحسوسا لنا بعد انحسار البطولة فعليا على أرضنا وهو إنجاز لا يمكن الشعور بمدى أهميته في الوقت الذي انقلبت به مفاهيم أمم عجزت بعدها على ترميمها أو استبدالها بأفضل منها ولكننا وبفضل من الله كسبنا أمورا قد لا يتضمنها قلم يدونها على صدر ورقة بيضاء مسجاة باستسلام تحت ثقل ريشته ولكنها نستشعرها كنزا ومكتسبات عظيمة نتوارثها بكل فخر حينما نقول لأجيالنا القادمة لقد كان هناك مونديال عالمي وكانت معه ثقافة قطرية عربية أمينة على نفسها في حضوره والحمد لله!.