11 سبتمبر 2025
تسجيلفي رحلة البحث عن الكلمة المفيدة أو الفكرة الهادفة تستوقفنا عناوين مُبهرة، قد يستعطفك عقلك للتعرّف عليها وقد يخونك قلبك لتغوص في كُنهها، بكل الأحوال أنت مُجبرٌ بطريقةٍ ما لتتزود بمعرفتها، وشخصيًا استوقفتني هذه العبارة للكاتب والفيلسوف جوزيف ميرفي الذي قال عن العقل الباطن:»إن الذكاء اللانهائي الكامن داخل عقلك الباطن سوف يكون قادرًا على كشف كل شيء تحتاج إلى معرفته في كل لحظة من الوقت» ولعل أكبر جدل في علم النفس يدور حول السؤال: ما الذي يقوم به العقل الباطن تحديدًا، وما الذي يتطلبه التفكير الواعي؟ بطريقةٍ أخرى هل العقل الباطن ذكي أم غبي؟ وبالطبع فإن العقل الباطن يمكن أن يجهز الردود البسيطة المحفزة ويقدم الحقائق الأساسية ويدرك الأشياء ويمارس الأمور التي تدربت عليها، أما الإدراك المعقد الذي يشمل التخطيط، والتعليل المنطقي، وجمع الأفكار، فيحتاج لتفكير العقل الواعي، وهنا تكمن قوة العقل الباطن وهي القوة التي تتحكم في سلوكياتك وردود أفعالك وطريقة تفكيرك وفقًا للمعتقدات والقناعات الذهنية التي تم برمجتك بها مُسبقًا. وللعلم: عندما تتمكن عقولنا من حل بعض الألغاز أو قراءة بعض الكلمات غير الواضحة نشعر بأننا نتحكم في عقولنا بشكل جيد وهذا جيد من الناحية النفسية أيضًا، فليس هناك شيء يمر بنا وتشعر به حواسنا ثم ننساه إلا بسبب، وهذا النسيان مع ذلك ليس محوًا تامًّا؛ إذ يمكن استثارة ما نسيناه بالتحليل النفسي. صدقني قارئي العزيز حين أقول عقلك ثم عقلك ثم عقلك ثم قلبك، فهذا ليس من فراغ، ففي كل يوم يكون لنا لحظات جديدة بل أمسيات وأمنيات وأحلام وغيرها الكثير ولو حصرنا تلك لوجدناها عبارة عن يوميات تذهب وتعود لنا بأشكال وألوان جديدة.. نتعجب من أنفسنا عندما لا نستطيع أن نتحكم بالأمور البديهية التي باستطاعتنا، ونقف متمسكين بقلوبنا التي بدأت في التحكم بجميع الأمور وتركنا تحكمنا بالعقل، وهذا مما جعل لنا واقعًا مؤلمًا مع أنفسنا وتجاه الآخرين. والتذكُّر نفسه يدلُّنا على طريقة النسيان، فقد يسألنا أحد عن اسم شخص نعرفه فنحاول أن نتذكره ونجهد أنفسنا في ذلك بلا طائل، ثم ننسى الموضوع، وقد تمرُّ ساعات أو أيام، وإذا بالاسم يخطر على بالنا غير مدعوٍّ ولا مطلوب، فهو إذن قد «خطر» على بالنا، والخواطر كلها من العقل الباطن الذي لا يسيطر عليه العقل الواعي إلا وقت الانتباه واليقظة. فكلُّ ما يمر بنا في حياتنا منذ أن نولد وتحس به حواسنا أو تفكر فيه عقولنا إنما ننساه لا لأنه مُحي من ذاكرتنا بل لأنه كُبت أي مُنع من الظهور في العقل الواعي، فنحن في الحقيقة لا ننسى شيئًا وإنما كل ما يقع لنا، ولسنا في حاجة إلى أن يكون ماثلًا لذهننا في كل وقت، يندسُّ في العقل الباطن ويحتبس فيه، لأن العقل الواعي الذي نؤدي به أعمالنا في اليقظة يكبت هذه الذكرى، وأحيانًا إذا غفل عنها في نوم أو غفوة أو مرض وكانت هذه الذكرى قوية فإنها تعود إلينا فنتذكر أشياء كنا نظن أننا نسيناها ومُحيت من ذاكرتنا تمام المحو، وهذا الكبت يحدث لنا في كل وقت وأحيانًا من مصلحة الشخص لأنه ليس من المفيد لنا أن نذكر كل شيء بعقلنا الواعي. أخيرًا: علينا أن نضع قليلًا من العاطفة في عقولنا حتى تلين ونضع كثيرًا من عقولنا على قلوبنا كي نستقيم.