10 سبتمبر 2025

تسجيل

الدبلوماسية الرقمية... مستقبل السياسة

22 ديسمبر 2020

في عام ١٩٥٣ قرر الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إنشاء وكالة المعلومات الأمريكية، وخصصها للقيام بعمليات الدبلوماسية الشعبية التي تساعده على نشر أفكاره والحصول على التأييد الشعبي لقراراته، حتى جاء كارتر وغير اسمها لهيئة الاتصال الدولي، ثم ريغان الذي سماها الوكالة الأمريكية للمعلومات. وفي عام ١٩٨٤ جرى أول تحليل لهذه الدبلوماسية الأمريكية المعلوماتية عندما أصدر ألن هانسن كتابه "الدبلوماسية العامة في عصر الكمبيوتر" ثم جاء الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بعده بسنوات ليقوم بأول تبادل رسمي للبريد الالكتروني عندما فعل ذلك مع رئيس وزراء السويد كارل بيلت. لكن طوال هذه السنوات حظيت الدبلوماسية حول العالم بطابعها الارستقراطي الخاص الذي يلف ممثلي الدولة مهما كانت مكانة الدولة أو قوتها الاقتصادية، كل سفير يحظى بنفس المعاملة الارستقراطية، وكل دولة تحاول أن يعبر مبنى سفارتها أو سفيرها عنها بالشكل الذي يبهر المارة وأهل البلد. ومع تطور الزمن بات الحديث يزداد عن مصطلح جديد في عالم الدبلوماسية، وهي الدبلوماسية الرقمية، حيث دخلت كمنافس لأدوات الدبلوماسية التقليدية مثل الدبلوماسية التعليمية التي تمثلت في التبادل التعليمي أو المنح الدراسية أو الدبلوماسية الثقافية مثل افتتاح مراكز ثقافية في بلد ما أو الدبلوماسية الإنسانية أو التجارية أو الاقتصادية أو دبلوماسية المؤتمرات وغيرها. ورغم أن أساسها كان يعتمد على "قدرة الدول على التأثير على آراء المواطنين في الدولة الأجنبية" إلا أن تطور الوسائل التكنولوجية جعلها تتوسع بشكل كبير وأصبح من الصعب إيجاد تعريف دقيق لها، وسنحتاج لسنوات إضافية كثيرة حتى تستقر الثورة التكنولوجية لنعرف حدود تطور الدبلوماسية الرقمية ونضع تعريفاً دقيقاً لها. وبعض الدول قد بدأت فعلياً في استخدامها لعدة أسباب منها: الأسباب الاقتصادية، بحيث تقلل الدولة مصاريف الشؤون الخارجية خاصة في الدول التي لا تكون بينها علاقات كبيرة أو تطلعات لتطوير هذه العلاقات وتعزيزها، أو لأسباب سياسية من حيث وجود خلافات سياسية بين الدول أشبه بالحرب الباردة أو المقاطعة أو غيرها من الأسباب، أو أسباب مرتبطة بتطوير العمل واستخدام التكنولوجيا وغيرها من الأسباب. ومع تطور التكنولوجيا أصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جزءا من الدبلوماسية الرقمية الذي سيسمح للحكومات بالتواصل مع الناس (الحكومة مع الناس) أو (الناس مع الحكومة)، ولقد عزز استخدام التكنولوجيا مؤخراً في عصر كورونا في تعزيز التحول إلى الدبلوماسية الرقمية بشكل أكبر بدلا من الرقمية. واليوم هناك في العالم مصطلحات جديدة تظهر مثل دبلوماسية تويتر ( Twiplomacy ) من خلال وجود مسؤولي أكثر من ٧٠٪ من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وبعضهم يعبر عن آرائه السياسية أو يصدر بيانات بلاده عبر تغريدة رسمية، أو يرد على بيان رسمي لدولة صادر عبر تغريدة المسؤول المقابل له، بل وصلت في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مستوى الرئاسة. لنستعرض بعض الأرقام، الخارجية الأمريكية مثلاً لديها أكثر من ٢٠٠ صفحة على الفيسبوك و٢٠٠ حساب على تويتر وتغرد بسبع لغات، وموظفو الخارجية على اتصال مباشر بأكثر من ١٥ مليون شخص حول العالم (بعلم أو دون علم حكوماتهم)، بينما تملك الخارجية البريطانية أكثر من ٢٨٠ موقعا إلكترونيا بخلاف مواقع التواصل الاجتماعي بأكثر من ١٥ لغة. مثال آخر على استخدام الدبلوماسية الرقمية ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء سفارة افتراضية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتقديم خدماتها لرعاياها في إيران، وافتتحت في ديسمبر ٢٠١١، ويمكن لأي شخص زيارة الموقع والاستفادة من خدماته كسفارة رسمية. أما أول سفير تكنولوجي في العالم فهو كاسبر كلينج الذي قامت الدنمارك بتعيينه سفيراً لها لدى شبكات الجمهوريات الافتراضية بما فيها الشركات المتخصصة في صناعة الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، بينما قامت الحكومة الكندية بأخذ خطوة أكثر تقدماً عندما عينت في العشرين من نوفمبر عام ٢٠١٩ جويسي موراي وزيرة للحكومة الرقمية، أما في فرنسا يشغل هنري فيردير منصب سفير الشؤون الرقمية في وزارة الخارجية الفرنسية. وتعترف فرنسا، التي ارتعبت من دعوات المقاطعة لمنتجاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعترف بأنها تستخدم الدبلوماسية الرقمية للتأثير على الناس، حيث تعترف الخارجية الفرنسية بقولها " ترمي دبلوماسية التأثير إلى ترويج صورة فرنسا، ومن ثم الدفاع عن مصالحها سواء كانت اقتصادية أو لغوية أو ثقافية، وتسعى أيضا إلى تحسين معرفة الجمهور بأنشطة الوزارة. ودبلوماسية التأثير هي ثمرة التضافر بين عمل الأقسام المركزية للوزارة وشبكتها الدبلوماسية"، لهذا عندما تمت حملة المقاطعة لها على وسائل التواصل الاجتماعي ارتعبت، ليس فقط من أجل التأثير الاقتصادي، بل من أجل التأثير على السمعة التي تبنيها الخارجية على هذه المنصات. هذا لا يعني أن عالم الدبلوماسية الرقمية واستخدام وسائل التكنولوجيا وردي، فهو أيضا عالم لا يزال خطيراً، فمع تطور وسائل التكنولوجيا يتطور أيضا القراصنة ويطورون أدواتهم، وهو ما يضع السرية في مجال العمل الدبلوماسي على المحك، وجميعنا يذكر كيف أن مؤسس ويكيبيديا دمر الكثير من الدول والمؤسسات والشخصيات عبر الوثائق التي نشرها، وكيف أنه بات المطلوب رقم واحد في كثير من دول العالم، كما أن استخدامها قد يعود بالسلب على الداخل لدى بعض الشخصيات المؤثرة كما يحدث الآن مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي بدأ يستخدم حسابه الشخصي للتفرقة الداخلية وخلق شقاق في الداخل الأمريكي. نحن أمام تحدٍ جديد سيغير استخدام الساسة للإعلام التقليدي، وسيغير استخدام الوزارات للتكنولوجيا، أو ربما يجعل الحكومات تعيد النظر في طريقة العمل الدبلوماسي بشكل كامل. الطريف أن دولة مثل قطر عندما أرادت استخدام التكنولوجيا قامت باستخدام الدبلوماسية الرقمية، واستفادت من الطفرة التكنولوجية، وعززت استخدام الدبلوماسية التجارية والإنسانية والتعليمية، بينما عندما أرادت دولة أخرى استخدام التكنولوجيا، فأنشأت مركزاً لبث الشائعات والأكاذيب. ‏[email protected]