18 سبتمبر 2025

تسجيل

حضارة السودان المنسية

22 ديسمبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل عقدين من الزمان كنت أشارك الدكتور صلاح محيي الدين أحد علماء السودان الذين يهتمون بالغوص والبحث في تاريخ السودان تقديم برنامج إذاعي خصص للحديث عن إعادة كتابة تاريخ السودان الذي شوهه الكتاب الأوائل ممن شاركوا في المعارك الاستعمارية التي خاضتها الدول الأوروبية ضد الشعوب المستضعفة في إفريقيا ومن بينها السودان الذي واجه أبناؤه العزل الأسلحة النارية الآلية وجاءت معظم الكتابات من شهود غير عدول وممن ملأ الغزى أجفانهم، فلم يروا في السودانيين إلا جماعة من دراويش ولم يحفلوا بقيمه وموروثه وخلق أهله وعد كل ذلك عندهم موردا للتناول الدرامي والسخرية لإدهاش متلقيهم. شوهت الثورة المهدية وفي المقابل شوهت أيضا الجماعات الدينية المنتشرة في السودان بمساجدها وخلاوي تحفيظ القرآن وتعليم الفقه والسنة النبوية وتم تنميط شخصية رجل الدين وعجزه عن فهم مطلوبات الدنيا وشوهت الشخصية السودانية بقيمها وأخلاقها ونشاطها وجدها وعزمها ونقل عن هؤلاء الذين كتبوا عن السودان في ظروف العداوة والأحقاد بعد فتح الخرطوم ومقتل غردون ثم معركة كرري آخرون وباحثون لترسم صورا انطباعية جاهزة Stereotype يتداولها كثيرون ممن لا يستوثقون من الرواة والسياق والظرف التاريخي الذي كتبوا فيه. تناول البرنامج الإذاعي الكثير من الأسباب التي تستدعي إعادة كتاب تاريخ السودان الحديث وذلك من خلال حوارات أجريناها مع رموز وطنية وباحثين ومؤرخين وسياسيين ومفكرين من مدارس سودانية متنوعة إلا أن البرنامج توقف قبل أن ننظر في تاريخ السودان القديم الذي لم تكن مشكلته التشويه ولكنه لم يكتب ولم يشر إلى كثير من حقبه التاريخية، بل وهناك تجاهل متعمد إلى إغفال تاريخ الحضارة النوبية باعتبارها أقدم حضارة انطلقت من السودان بمعابدها وأهراماتها وتماثيلها ورسوماتها ولغاتها شمالا إلى مصر والبحر المتوسط وحتى فلسطين. نأمل أن يكون في مهرجان جبل البركل الذي اختتمت أعماله خلال الأسبوع المنصرم والذي انطلقت منه ومن منطقة كرمة في شمال السودان هذه الحضارة المنسية خطوة في إعادة النظر في تدوين المعلومات الموثقة المسنودة بنتائج الحفريات والكشوفات الأثرية والتي لحسن الحظ جاء المشروع السوداني القطري المشترك للكشوف وترميم الآثار السودانية ليسهم في إجلاء الحقائق وخدمة الباحثين.