17 سبتمبر 2025
تسجيلوقع هذا الأسبوع وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا على وثيقة إنهاء الحرب في العراق رسميا، بعد خروج آخر دبابة أمريكية من العراق عبر الحدود إلى الكويت. ولم يكن هناك أي مؤشر على سعادة العراقيين بهذا التطور الجديد كما لم تكن هناك أي دلائل على الاحتفال. ومنذ بدء الحرب على العراق في عام 2003 عندما غزت الولايات المتحدة البلاد وأطاحت بنظام صدام حسين، وصلت التكاليف الإجمالية إلى نحو 807 مليارات دولار أمريكي، وفقا لموقع costofwar.com، هذا بالإضافة إلى خسارة الولايات المتحدة لـ 4484 من الأفراد العسكريين منذ عام 2003، فضلا عن وفاة حوالي 115,676 مدنيا عراقيا ونزوح نحو 2.7 مليون عراقي (على أساس تقرير مؤشر العراق من جانب بروكينغز - 30 نوفمبر 2011). وبغض النظر عن هذا، تركت حرب العراق أيضا بصمة سوداء لا تمحى وجلبت العار على تاريخ الولايات المتحدة بسبب التعذيب وسوء المعاملة في سجن أبو غريب العراقي. مما جعل جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية تدعو إلى إلقاء القبض على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بسبب انتهاك قوانين التعذيب، إضافة إلى اتهام وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد بارتكاب جرائم حرب في فرنسا وألمانيا، بعد أن تقدمت جماعات حقوق الإنسان بشكوى جنائية بحقه. تشير كل هذه الإحصاءات إلى أن كلا من العراق والولايات المتحدة خسرتا بشكل كبير في هذه الحرب. ووفقا للاقتصادي جوزيف ستيغليتز الفائز بجائزة نوبل، وصلت تكلفة حرب العراق إلى 50-60 مرة أكثر مما توقعته إدارة بوش السابقة، وهذا كان السبب الأساسي للأزمة المصرفية التي هددت الاقتصاد العالمي. وإذا أضفنا تكلفة الحرب التي لا تزال مستمرة في أفغانستان، فإن الولايات المتحدة تحملت تكاليف تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار، ناهيكم عن الآلاف من الأرواح التي فقدت أو تشردت من كلا الجانبين. ما الذي حققته الحرب في العراق فعليا؟ قد يقول البعض إن حرب العراق أعطت العراقيين الديمقراطية وحق التصويت لانتخاب قادتهم، خاصة أن الانتخابات ستجرى في البلاد للمرة الثالثة. ولكن الديمقراطية لاتكن فقط في الحق في اختيار القادة بل في الاستقرار والأمن والشعور بالأمان وحرية الرأي والقدرة على تحسين الحياة الاقتصادية للشعوب ومساعدتهم على إيجاد فرص عمل والقدرة على امتلاك العقارات وتأسيس الأعمال دون الخوف من انتزاعها منهم بالقوة. على الرغم من أن عمليات القتل والتفجيرات في البلاد قلت منذ ذروة الحرب على العراق، إلا أن الناس لا يزالون يموتون في شوارع بغداد ولا يزال يشكل الأمن مشكلة، علما أن التهديد الطائفي زاد منذ إعلان الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما عن انسحاب قواته من العراق في أكتوبر من هذا العام. وقد يعتبر البعض الآخر أن حرب العراق قد أطاحت بديكتاتورية صدام حسين. هذا صحيح، لكن بعض القلة من الناس، يؤكدون أنهم يفضلون العيش في ظل نظام صدام حسين، بسبب السلام والاستقرار النسبي الذي كان في البلاد آنذاك. وقد نشرت كامبريدج كتاباً جديداً حول صدام حسين في سبتمبر 2011 بعنوان "أشرطة صدام: ما يدور بداخل نظام حكم الطاغية، 1978-2001"، الذي قام بإعادة فحص نظام صدام، مبينا قومية الدكتاتور السابق وعدائيته تجاه الولايات المتحدة وذلك في ذروة دعم الولايات المتحدة للعراق خلال الثمانينيات، وفقا لمقال كتبه ديفيد فالكي أحد محرري الكتاب، في السياسة الخارجية. وأشار فالكي أيضا إلى أن "صدام حسين اعتقد أن امتلاك العراق لسلاح نووي سيمكن البلاد من تحرير الأراضي الفلسطينية من إسرائيل. لم تسعَ العراق للحصول على أسلحة نووية لبدء الضربة النووية الأولى ضد إسرائيل، حيث أوضح صدام أنه أراد صنع سلاح نووي لردع استخدام الأسلحة النووية الإسرائيلية، بحيث يمكن للعراق شن حرب استنزاف دامية". وبالطبع، قد يكون صدام قد ارتكب خطأ بغزو الكويت، ولكن هذا ليس موضوعنا هنا. وفي نهاية المطاف، فإن الجهة الوحيدة المستفيدة من الحرب على العراق وما تلاها من انسحاب للقوات الأمريكية هي إيران، حيث أن إيران أثبتت وجودها في الأوساط السياسية والعسكرية في العراق. وأفضل مثال على نفوذ إيران في العراق، زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى واشنطن الاسبوع الماضي، حيث ضم الوفد المرافق له هادي فرحان العامري الذي يشغل منصب وزير النقل العراقي. العامري هو أيضا القائد السابق لفيلق بدر الذي كان الجناح المسلح للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي حصل على دعم من الحرس الثوري الإيراني. وهذا ليس إلا دلالة بسيطة على تطور الوضع في العراق. وبالفعل، نشبت أزمة سياسية في اليوم الأخير من انسحاب القوات الأمريكية عندما دعا رئيس الوزراء المالكي للتصويت على حجب الثقة عن نائبه صلاح المطلك، بينما أصدرت وزارة الداخلية العراقية مذكرة اعتقال ضد نائب الرئيس طارق الهاشمي، حيث إن العديد من حراسه كانوا رهن التحقيق بسبب تفجير الشهر الماضي في المنطقة الخضراء. وفي مؤتمر صحفي أذاعه التلفزيون، اتهم الهاشمي الحكومة الشيعية التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي باستخدام قوات الأمن في البلاد ضد المعارضين السياسيين والسنة منهم على وجه التحديد. وقال الهاشمي "إن الهدف واضح، وهو ليس أكثر من افتراء سياسي". علما أن المطلك والهاشمي ينتميان الى الكتلة العراقية العلمانية، التي تضم شريحة كبيرة من الطائفة السنية. وبسبب هذه التطورات، هناك مخاوف من وجود بقايا من العنف الطائفي، وتكمن التحديات في قدرة قوات الأمن العراقية على حدها من دون مساعدة من القوات الأمريكية. وينبغي أن نضع مسؤولية مستقبل العراق على الولايات المتحدة التي أوصلت البلاد الى وضعها الحالي. ومن الواضح للعيان، أن إدارة الرئيس السابق جورج بوش ارتكبت الخطا الأساسي. إلا أنه لا ينبغي على إدارة الرئيس باراك أوباما أن تزيد الأوضاع سوء من خلال سحب القوات الأمريكية وتركها للمقاولين الفرعيين مثل شركة بلاك ووتر/اكس اي أو إيران. ومن خلال انسحابها من العراق، أعطت الولايات المتحدة إيران فرصة للسيطرة على العراق، من خلال "ولاية الفقيه"، الفكرة التي كان قد بها آية الله الخميني والتي تشكل الآن أساسا في دستور جمهورية إيران الإسلامية. في الماضي، كان يراه شيعة العرب في العراق مرجعاً لهم، ولكن بعد الإطاحة بصدام وزيادة نفوذ ايران في البلاد، تغيرت هذه الديناميكية وتعززت الخطة الأصلية الإيرانية للاستيلاء على العراق. وما يزال يتعين القيام بالمزيد في العراق. لننتظر ونرى ما إذا كانت العراق قادرة على المحافظة على استقلالها من دون أن تتأثر إلى حد كبير بإيران وسياساتها أو أن حماسة الربيع العربي الذي انتشر في جميع أنحاء المنطقة سوف تؤثر على العراق ويستمرعدم الاستقرار لفترة طويلة. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]