15 سبتمبر 2025

تسجيل

ما تعارف عليه التجار

22 نوفمبر 2023

يأخذ العرف المركز الثاني من مصادر القانون التجاري، فلا يلجأ إليه القاضي إلا في حالة عدم توافر نص قانوني تجاري أو نص قانوني متعلق بالمسائل التجارية، وهذا ما نصت عليه المادة (2) من القانون التجاري، بقولها «... فإن لم يوجد نص يطبق العرف التجاري...»، إذًا، من حيث المكانة فالعرف يلي التشريع، ومن حيث الأهمية فهو مصدر تكميلي خصب وغني، ويهتم بالمسائل التفصيلية التي لم يتطرق إليها القانون. ومن المنطق تقديم المُشرع العرف على القانون المدني، ومنطقية هذا القول تعود إلى كون العرف أكثر تلاؤما مع الحياة والبيئة التجارية ويواكب السرعة التي فيها. إلا أن هناك العديد من التساؤلات التي يستلزم علينا الإجابة عنها، ومنها، ما هو العرف عمومًا؟ وهل للتاجر والنشاط التجاري أعراف خاصة بهم؟ وكيف ينشأ عرفهم؟ ما علاقة القانون التجاري بالأعراف التجارية؟ العرف هو «مجموعة من القواعد التي تعارف عليها الناس واحترمها فيستخدموها في معاملاتها دون أن ينص عليه قانون معين أو اتفاق الأطراف، فتصبح عند المجتمع كأنها قاعدة ضمنية حتى ولو لم يتفق على أنها ملزمة». ما سبق يعد تطبيقًا للقواعد الشهيرة (المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا)، و(التعيين بالعرف كالتعيين بالنص)، و(المعروف بين التجار كالمشروط بينهم). وإذا كنا قد وضحنا مفهوم العرف إلا أن ذلك على وجه العموم، فلقد جاء النص بمصطلح العرف التجاري، والأخير يعني مجموعة من القواعد التي تداولت بين التجار في اتباعها لفترة طويلة من الزمن حتى تنظم حياتهم التجارية، فأصبحت كأنها قاعدة ملزمة مثل النصوص التشريعية. لشرح ما سبق في صورة مثال، ينشأ العرف عندما يتفق اثنان من التجار أو الأشخاص الذين يتعاملون في النشاط التجاري على تنظيم تصرف معين، كأن يحددوا طريقة لوزن البضاعة أو طريقة تسلمها، يلي ذلك أن ينتهج باقي الأشخاص نفس ما انتهجه هذان الاثنان لفترة زمنية طويلة، حتى يتولد الشعور بأن هذا التصرف الذي قام به الاثنان في بادئ الأمر، أصبح ملزمًا للجميع دون الحاجة إلى نص قانوني. والشعور بإلزاميته نتج من إيمان الجميع به، فيصبح حكمًا عامًا مثل التشريع، بيد أن ذلك لا يمنع بأن تتفق الأطراف على استبعاده. والقانون التجاري هو عبارة عن مدونة من الأعراف التي استقر عليها التجار، ومعظم نصوص القانون التجاري قد نشأت من الأعراف والعادات التي مارسها التجار خلال نشاطهم التجاري، ثم تم تقنين وتدوين تلك الأعراف إلى نصوص تشريعية. وأدى ذلك إلى عجز العرف، وهيمنة باقي المصادر التشريعية عليه مما أدى إلى نزوله إلى مرتبة أدنى من التشريع، وهذا لا ينفي كونه مصدرًا خصبًا، ويعاون النصوص التشريعية فيما لم تتطرق إليه، بل إنه يواكب التطورات التجارية.