20 سبتمبر 2025
تسجيلهذا النص ثابت لا يمكن تغييره، ولكن الجزء المتحرك في هذه المعادلــة هو "فهمنا" لهذا النص، والذي يجب أن يكون حركياً ديناميكياً، وهو أمر لا يتعارض مع مفهوم قدسية النص بأي حال من الأحوال، فالأزمة في الأساس أزمة فهم جامد وسيادته على غيره من أنواع الفهم الأخرى وليست أزمة نص، فالأجدر العمل على تحريك الفهم لدى العقل العربي والإسلامي ضمن البيئة المعاشة؛ لتجاوز مرحلة الجمود والتوقف، وانعكاس هذه الإشكالية على واقعنا المعاش المعاصر أورثتنا مشكلات نفسية جعلتنا نتبنى ميكانيزمات الدفاع لمحاولة تبرير واقعنا المعاصر. فاستحضار أمثلة من ماضينا المجيد لنرشق بها إنجازات الحضارة الغربية الإنسانية على وجه الخصوص أسلوب عجز وخطأ كبير، يتمثل باستبدال الحاضر بالماضي، وإلغاء لدور النقل النقدي الذي ترتكز عليه الحضارة المعاصرة. إن دخولنا عصر العلم والاتصالات يظل ناقصاً ما لم تدخله البنية الثقافية أيضاً. وبغير اعتمادنا على العقلية النقدية والتركيز على خلق مهارات التفكير النقدي في برامجنا التعليمية سنظل خارج الإطار التاريخي لعصر التقدم وان عايشناه على استحياء كمستهلكين وزبائن. فالأزمة عميقة وعلاجها يتطلب تغييرات في البنى والقوالب الفكرية، وهي أمور في منتهى الصعوبة ولكنها تصبح حتمية إذا ما أردنا تفعيل الحاضر بدلاً من تقديس الماضي. بل مع الآسف تمثل مناهجنا التعليمية تكريساً لهذه الأزمة، حيث لا تزرع الرؤية العقلية النقدية لدى الدارسين، وبالتالي يصبح النقد، وهو سمة إنسانية، ممارسة خاطئة في الظلام وخلف الأستار أو بعد فوات الأوان، أو يتحول إلى عواطف جياشة بكائية وقد ينتج عنها بعد ذلك تصرفات وردود أفعال تزيد من هلاك الأمة. فهل يعقل أن تمر هذه الأمة على الأقل في عصرها الحديث بكثير من الأزمات والمصائب وتغلب عاطفتها الجياشة على عقلها النقدي وتحمل بالتالي غيرنا مسؤولية فشلنا وتراجعنا؟. إذا كان هناك ثمة ما يمنع من غرس مفاهيم التعليم العصري والذي يقدم على مبادئ ومفاهيم العقل النقدي في النظام التعليمي العربي لأهداف سياسية واحتكار المعرفة الكاملة لدى الرموز، وتكريس مفهوم الرعاية الأبوية وتعميمه على جميع الأصعدة، فإن العصر الحالي ضد التوقع والتشرنج والمسايرة القشرية لهذا العصر، والمتمثلة في الحوارات وممارسة النقد من خلال انفتاح الفضاء الإعلامي قسراً على العرب والمسلمين لا تجدي في التعويض على إصلاح النظام التعليمي، بل إن اغلبها اجتراراً للتاريخ ورؤية متأخرة للأحداث تحتمها المراحل العمرية للأشخاص من حيث المطلوب تعويد النشء الجديد على النقد الهادف البناء. إن عدم تأصل العقلية النقدية داخل النسيج الثقافي العربي جعل الإنسان العربي مرهوناً بالجاهزية الفكرية المستوردة، ويعيش بين مرحلتين على طرف نقيض، مرحلة يتطلب منه فيها الصمت والتصفيق ولو على مضض وبدون اقتناع، ومرحلة أخرى متأخرة يصبح فيها خارجاً عن النظام والقانون بمفهوم المجتمع الأبوي، والأدهى من ذلك أنه قد يستعان بـ "النص" لإثبات خروجه ومروقه، وذلك عود لملامسة جرح الأمة القديــم الذي لم يلتئم بعد، واصطفاف آخر خلف صنمية المصطلح. [email protected]