17 سبتمبر 2025
تسجيل* يهتم كاتب الرواية بكتابة وحياكة الرواية وترابط أحداثها وبتحديد شخوصها بأدق التفاصيل، ابتداء بالاسماء والملامح والالوان، ووصف الأشكال والصفات ووصف المكان وتفاصيل الأثاث وألوانه، وتفاصيل نبرة الأصوات والضوضاء والشارع والأماكن.. تفاصيل كل شيء لما يخدم روايته ويعتني بها لينقل القارئ ومخيلته ليكون قارئا يرى الرواية ويعيشها، حتى يصل لبعضهم تقمص الشخصيات والتعايش مع دورها وشخصيتها لدقة وتفوق الكاتب في روايته وتفاصيلها المشوقة. * وفي حياة كل إنسان منا تفاصيل كثيرة تبدأ مع بداية تاريخ يوم مولده وتفاصيل تفحص ملامحه.. وتساؤل يشبه من؟ الأم أم الأب؟ وزنه ولون عينيه.. شكل أنفه.. أصابع يده.. تفاصيل ترافق اختيار الاسم وتفاصيل غرفة استقباله وتذكار هدايا مولده وتفاصيل الهدايا والاعتناء بأدق ما فيها. * التفاصيل قانون مشاعر نختاره بإرادتنا ونريده أن يكون في حياتنا وذاكرتنا وتعاملنا وأقوالنا وحتى ردات أفعالنا، نجعل الأهمية لتفاصيل المكان الذي نكون فيه ومن فيه، وتفاصيل حضورنا وأناقتنا، وتفاصيل همس أرواحنا وحديثنا الداخلي حتى وإن اخترنا الصمت وعجزنا عن البوح. * أن تهتم بكل تلك المعاني.. معنى وإحساس عميق ومهم يعني أننا أولينا اللحظة التي احتوتها وحملتها تلك التفاصيل العناية والاهتمام الذي يليق بها لتكون بالصورة التي كانت عليها شكلا ومعنى، لتستقر لوحة رائعة متكاملة الشخوص بتفاصيلها في الذاكرة والقلب ولا يمكن أن تمحى أو أن يطالها تسارع الأيام وحركة السنوات.. أو أنانية البشر!. * أن تكون من أولئك المهتمين بالتفاصيل وأهميتها وتجويدها يعني أنك إنسان وفي وحساس وراق في زمن لا يقف ولا يستقر ويستغرق وقتا وجهدا، ولا يضيع ويضع ضمن أولوياته البحث عن أشياء ومكونات اللحظة بتفاصيلها ومشاعرها! شخصيات عملية سريعة الحركة! وسريعة الاختيار! لا ترى الا الصورة المتكاملة والتي تحقق نصف المشاعر! ولا تقف وتنصت الا لغاية تخدم مصلحتها! شخصيات لا يعنيها أن تلتفت للوراء ولا أن تتفحص ملامح وخوف أحداق من غادرتهم! ولا تعطي سمعها دقائق لإنصات نبرة صوت حزينة تعجز الحروف أن تتناسق لتكون جملة!. شخصيات تملك القدرة على ممارسة النسيان وطمس آثار الذكرى في فكرها وحياتها!. * لماذا لا نزال نقرأ أجمل ما كتب من قصائد ومعلقات؟ وأصدق ما جاء في أبياتها من تفاصيل دقيقة للمشاعر وعمقها من وفاء وحب وهيام ولوعة وعشق وحتى مشاعر الهجر والغدر!؟ لماذا نذكر جميل بثينة وقيس ولبنى وعنتر وعبلة وحتى تفاصيل رسائل غسان كنفاني وغادة السمان!؟ وعشق نزار وبلقيس وغيرهما من رسائل وقصص وقصائد نشاهد فيها الملامح وجمالها، ونستنشق فيها شذى عطر اللحظة بصدق وجمال التفاصيل التي كتبت وحيكت بخيوط الروح التي لا تبلى ولا تطالها حركة الزمان. * آخر جرة قلم: قد نصاب بخيبة أمل ووجع بأن تكون ممن تعنيهم التفاصيل في كل شيء حولهم ومعهم وفي ذاكرتهم.. تفاصيل يوم بتاريخه، وتفاصيل مناسبة فرح تحرص على أن تجعل لشذى عطر خاص لها، وحروف بطاقة كتبت بقلم معين.. وتفاصيل مكان بأجوائه وناسه وموسيقى تقطع صمت المكان وتتسلل إلى الضجيج ليكون لجمال المقطوعة السيطرة والإنصات.. التفاصيل تعني دقة مشاعر حرصت على أن تكون بصدق روحا مع روح تقدر تلك اللحظة والاهتمام والتفاصيل، ولا تستهزئ بها لمادية وشخصية عملية تسيطر عليها ولا ترى كل تلك التفاصيل ولا تعنيها! عندما نهتم ونتذكر أدق التفاصيل في رحلة الأيام والعمر تلك التي عاشت وسكنت بلحظات الفكر.. وعمق الروح.. فإنها وفاء لتفاصيل رسمت بعناية للوحة متكاملة للحظات وتاريخ ووجوه ومواقف.. نحرص على الاحتفاظ بها ذاكرة وكيانا ووجودا.. قد تأتي لحظة يغادرنا الأفراد بأشكال الغياب والمغادرة ولا يبقى منهم إلا تلك التفاصيل التي تسكننا. [email protected]