01 نوفمبر 2025

تسجيل

حتى الشهداء ...شعبين !

22 نوفمبر 2013

جاءت ذكرى أحداث شارع محمد محمود هذا العام، ومصر تعيش حالة صراع واضطراب خطرة،لم يعد الخلاف يجري فيها حول مصير الأحياء فقط،بل وصل الحال درجة الاختلاف الحاد حول الموتى.لقد أظهرت محاولة إحياء ذكرى محمد محمود أن تحالف 30 يونيو تتصاعد في داخله الخلافات إلى درجة الاشتباك في الشارع،إذ جرت اشتباكات بين أطراف شاركت موحدة في مظاهرات يونيو،كما أضافت الذكرى قطاعا جديدا - أو أعادت إظهار - مواقف مجموعات شبابية رافضة للحكم الراهن وإجراءاته،خاصة بعدما جرت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة..الخ. غير أن أخطر ما كشفته محاولة إحياء الذكرى،أن الصراع في مصر قد تفاقم وأصبح حادا إلى درجة التفرقة والاختلاف حول الشهداء الذين قدموا حياتهم فداء للثورة وحقوق الشعب.جاءت ذكرى هذا العام وبعض القوم صار يقول بوضوح أن بعض من قدموا حياتهم منذ يناير وحتى الآن هم من الشهداء (دينيا وسياسيا وقانونيا وماليا)، لكن البعض الآخر لا يصح التعامل معهم على هذا النحو،بل جرى وضعهم في خانة من تستباح دماؤهم فلا يحاكم من قتلهم ولا حقوق لذويهم،ووصل الأمر أن اعتبر البعض أن قتلة الشهداء -المدنيين المتظاهرين من أجل الحرية-عملا وطنيا بامتياز،بعدما شهد الإعلام تكثيفا في ترديد مقولة أن ثورة يناير لم تكن إلا فعلا لأجانب وأشخاص غير مصريين تسللوا عبر الحدود. وواقع الحال أن التعامل مع قضية الشهداء على هذا النحو مثل المعيار الأدق في تحديد الموقف من حق التظاهر والاعتصام والإضراب،وهو الكاشف لكل المواقف المؤيدة والداعمة للثورة من جهة وتلك المنحازة لنظم الحكم الديكتاتورية والفاسدة (فضلا عن المواقف من الإرهاب الذي يجري في سيناء).أمر الاختلاف حول الشهداء ظهر مع بداية ثورة يناير -وقبل انتصارها -إذ كان الحديث يجري عن اعتبار قتل شهداء الثورة عملا من أعمال الحفاظ على الأمن ومقدرات الدولة ضد خارجين على القانون (وبلطجية عند بعض آخر)،ولذا كانت قضية الشهداء والاعتراف بشهادتهم من أجل قضية نبيلة وصرف الحقوق لذويهم حالة صراع سياسي حقيقي وجوهري وحالة من حالات الاعتراف بالثورة من عدمه.لكن الأمور تغيرت من بعد إذ جرى الحديث عن الشهداء بكل ألوان وأشكال الاحترام والتقدير،وإن لم تتخذ إجراءات عملية حقيقية في القصاص من القتلة بحكم استمرار هيمنة وسيطرة مؤسسات الدولة التي كانت اتخذت قرارات إطلاق الرصاص على المتظاهرين في بداية الثورة.ومؤخرا شهدت الأمور تدهورا خطيرا.فمنذ إطلاق مقولة هم شعب واحنا شعب،وكل متابع منصف يعيش في وضعية القلق المرعب من أن تجرف تلك المقولات البلاد إلى الهاوية السحيقة،إذ نحن أمام من يضع بعضا من المصريين في مرتبة أدنى من البشر الآخرين في ذات الوطن،وهو ما يمثل تغييرا فكريا وسياسيا وثقافيا،وردة خطيرة عما تحقق بعد الثورة. كانت فكرة أن المتظاهرين شهداء قد استقرت-وبدأت محاكمة من قتلهم –لكن الأوضاع استدارت ليصبح قتل المتظاهرين عملا من أعمال البطولة وأداء الواجب الوطني،باعتبار المتظاهرين والشهداء مجرد إرهابيين يجب مطاردتهم وقتلهم،وهو أمر يفتح الطريق في داخل البلاد لوجود أساس فكري وسياسي وثقافي للقتل والتصفية واستحلال الدماء.انتقل الأمر من حالة الدفاع عمن قتلوا شهداء ثورة يناير إلى تمجيد من قتلوا متظاهري رابعة والنهضة ومسجد الفتح واعتبارهم أبطالا..لم نعد فقط أمام حالة من حالات التعالي السياسي الذي يصل إلى العنصرية فقط،بل في مواجهة حالة استباحة للدماء. هذا الأمر خطير على الجميع،إذ هو يضع أساسا لقتل المصري للمصري.واللافت مع بدء وانتهاء فعاليات إحياء ذكرى محمد محمود ظهر أن أمر التفرقة قد امتد إلى داخل بعض المجموعات الثورية أيضا. وصلت التفرقة إلى الشهداء لا الأحياء فقط.