09 أكتوبر 2025
تسجيلبرزت في الثلاثين عاما الماضية، في جميع الدول العربية، حاجة ماسة لإعادة النظر في تدخل الحكومات في معظم المجالات الخدمية، وظهر أن هناك إيمانا متزايدا بضرورة تقليص تدخل الدولة في الخدمات بوجه عام، ومن هذه الخدمات التعليم والصحة، والملحوظ أن التعليم بصفة خاصة – بوصفه مجالا خدميا واسعا تنهض الدولة بأعباء تمويله- تضخم وتضاعفت تبعاته المالية في العقود الخمسة الماضية، وأصبح التفكير في إجراء أي تعديل تمويلي، أو حتى إصلاح فني فيه، يتطلب حذرا شديدا وخطوات متأنية حتى لا يحدث احتكاك بقاعدة المتعاملين الضخمة من المواطنين. وقد حدث تغير ملحوظ خلال ربع القرن الأخير في معظم الدول حيث تغيرت الأهداف التعليمية وأصبحت تركز على احتياجات السوق بعد أن كانت تركز على نوعية الحياة وعلى المجتمع، كما تحولت المناهج التي تدور حول المتعلم إلى مناهج تدور حول الاقتصاد، وعند صياغة التخطيط تم تجاهل المفهومات الإنسانية المعروفة مثل: التعليم بوصفه حقا، والعدالة الاجتماعية... وغيرهما، وتبني مفهومات أخرى مثل التنافسية والجودة والإنتاجية، وفي ظل تلك الظروف تم التخلي تدريجيا عن "دور الدولة" وواجباتها، وتورطت نظم عديد من الدول في تبني سياسات تتجاوز فكرة العدالة ومبدأ تكافؤ الفرص التعليمية وبدأت هذه الدول تركز على مفاهيم الكفاءة الاقتصادية. وفي هذا السباق تزايدت الدعوة إلى خصخصة التعليم، و"تسليع" الخدمة التعليمية بمعنى أن الآباء مستهلِكون- بكسر اللام - والمعلمين منتجون والمعرفة سلعة والطالب المتعلم المُنتَج – بفتح التاء - والعملية التعليمية "عملية إنتاجية"!! كما تعالت نداءات المثقفين بضرورة تخلي الدولة عن بعض مسؤولياتها الاجتماعية بحجة محدودية مواردها مع تزايد نفقاتها وتضاعف التزاماتها المالية الناجمة عن الزيادة السكانية، فضلا عن "تغول" الرأسمالية المتوحشة من خلال الدعوة إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص ورجال الأعمال في دعم تمويل التعليم لتقليل الإنفاق على التعليم العام ومشاركة التعليم الخاص التعليمَ العام في تقديم الخدمات التعليمية وتقديم تعليم متميز ربما لا يستطيع التعليم العام تحقيقه. وأصبحت مساهمة القطاع الخاص في التعليم ضرورية كمصدر من مصادر غير حكومية لتمويل التعليم بما يتناسب مع حاجة المجتمع وطموحات أفراده ومن أهم الركائز الأساسية التي يمكن أن تسهم في تمويل التعليم وزيادة فاعليته. وفي رأي كثير من التربويين أن ازدهار التعليم الخاص يمكن أن يسهم في علاج الكثير من المشكلات التي تواجه السياسة التعليمية في مصر ويدعو أصحاب الآراء المؤيدة لخصخصة التعليم أن تسعى الدولة لإزالة أي عوائق من شأنها إعاقة القطاع الخاص عن المشاركة في تمويل التعليم في ضوء أن التعليم الخاص ضرورة تفرضها ظروف المرحلة التي تمر بها البلاد حاليا، ويتحتم بقاؤها لتؤدي مع الدولة بعض التزاماتها في التعليم وضرورة العمل على قيام التعليم الخاص بأداء الخدمة التعليمية بصورة مرضية جنبا إلى جنب مع التعليم العام للنهوض بمستوى التعليم والارتقاء به. ومن التربويين من يرى أنه يمكن أن يتكامل التعليم الخاص مع التعليم العام في تحقيق أهداف العملية التعليمية خاصة في ظل التخفيضات الكبيرة في الإنفاق على التعليم ضمن حركة تخفيض الإنفاق الحكومي في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة. وهذا يعني أن التعليم الخاص جزء من التعليم العام، ويمكن أن ينافس التعليم العام في استيعاب الطلاب، وفي تقديم خدمة تعليمية متميزة وتحقيق الأهداف التربوية للسياسة التعليمية العامة. وإذا نظرنا إلى العلاقة بين التعليم العام والتعليم الخاص من حيث جودة العملية التربوية فسنجد أن تخفيض الإنفاق على التعليم العام وتشجيع التعليم الخاص سينتج سلبيات كثيرة من بينها ما ظهر في التجربة المصرية حيث وضح أن تخفيض الدعم المتضمن في برنامج الإصلاح الاقتصادي أثر سلبيا في التعليم العام من خلال الزيادة في تكلفة التعليم التي انعكست في تخفيض حجم الخدمات والإمكانات، وهذا أثر بالطبع في جودة العملية التربوية في التعليم العام، وبمعنى آخر تخفيض الإنفاق على التعليم العام كان على حساب جودة التعليم، في حين ينفق على التعليم الخاص بسخاء وتتوافر به كل الإمكانات مما أظهره بأنه يفوق التعليم العام في جودة العملية التربوية. ومن جهة ثانية أظهر تحليل نتائج امتحانات الشهادات (بوصفها من ثمار الجودة) أن نتائج الامتحانات بالتعليم الخاص تفوق بنسبة عالية نتائج الامتحانات بالتعليم العام في كل المراحل التعليمية مما يظهر أن التعليم الخاص له من الكفاءة والفاعلية وتحقيق أهداف العملية التربوية أكثر من التعليم الحكومي. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن نتائج الامتحانات تعد عاملا مهما من عوامل جودة التعليم في أي نوع من أنواع التعليم، ويرجع الكثيرون انخفاض جودة العملية التربوية مقارنة بجودة التعليم الخاص إلى وجود مشكلات كثيرة يعاني منها التعليم العام منها المرتبط بالمعلم وأخرى بالإمكانات والتجهيزات وثالثة بالمباني وكثافة الفصول وغير ذلك مما كان له الأثر السلبي على جودة العملية التربوية في التعليم العام، ولا يعني ذلك أن التعليم الخاص لا توجد به مشكلات فهو أيضا يعاني كثيرا من المشكلات، وإن اختلفت عن مشكلات التعليم العام مثل العجز في بعض التخصصات للمعلمين، وعدم تأهيل كثير منهم، وتأخر استيفاء الكتب، ولذلك لا تظهر دائما جودة التعليم الخاص أفضل منها في التعليم الحكومي. وهناك مشكلات مشتركة بين التعليم العام والتعليم الخاص، تؤثر سلبيا في جودة العملية التربوية في كلا النوعين من التعليم العام والخاص. وقد اتضح من خلال الدراسات التي تناولت جودة التعليم العام والتعليم الخاص أنه ليس ضروريا أن يتفوق التعليم الخاص على التعليم العام في جودة العملية التربوية، فالأمر يختلف من مدرسة إلى مدرسة، ومن منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى سواء أكان ذلك بالنسبة للتعليم الخاص أو التعليم العام، لأن هناك عوامل أخرى كثيرة تؤثر في جودة العملية التربوية اجتماعية واقتصادية وثقافية قد تظهر جودة التعليم مرتفعة في قطاع تعليمي عن الآخر، وهناك أيضا اهتمام ومتابعة الوالدين في المدارس الخاصة، ومستواهم الثقافي والاقتصادي المرتفع له تأثير في إظهار جودة العملية التربوية في التعليم الخاص.