20 سبتمبر 2025

تسجيل

رسائل وزارة الصحة للإنسان أم للمكان؟

22 أكتوبر 2020

تفاجئ وزارة الصحة العامة هذه الأيام كل من بلغ ستين عاماً وما فوق برسالة يومية، عن طريق الهاتف، تحثه على الاتصال برقم متخصص بمرض الزهايمر، وهو فقدان الذاكرة، والحديث مع متخصصين حول تشخيص حالته، واقتراح العلاج المبكر فيما لو كان يعاني - لا سمح الله - من ذلك. بلا شك لم تأت هذه المبادرة من فراغ، بلا شك إنها قائمة على إحصائيات تثبت مدى انتشار هذا المرض وزيادته المطردة في المجتمع. مر مجتمعنا بتغيرات سريعة جداً، أخلت بمعادلة الزمان والمكان، كان المكان يتغير في توافق ومرور الزمن، إلا أنه في خلال العشرين الأخيرة تآكل المكان قبل الزمن وانصهر الانسان في بوتقة الزمن الضيق أيما انصهار. في السابق كان من يريد أن يعبر عن انتمائه لوطنه انتماء وجودياً يقول "أنا حصاة من حصى الوطن"، اليوم حتى الحصى أزيل، لا أستطيع أن أُعفي التغير المكاني السريع وإزالة الأماكن عن بكرة أبيها من مسؤولية الزيادة في الإصابة بالزهايمر. من حسن حظ الجيل السابق انهم رحلوا قبل عملية إزالة الفرجان والمناطق القديمة في قطر، وإلا كانوا قد شعروا بخيانتهم للماضي والتنكر له، وعلى الرغم من التعويض المادي المجزي التي قدمت وتقدمه الدولة تعويضا عن إزالة المساكن والفرجان، إلا أن الضرر النفسي لا يمكن تعويضه، حيث يرتبط الانسان بالمكان نفسيا، بحيث يصبح ذاكرته التاريخية التي تساعده على العيش متأقلما مع حاضره ومستقبله، بل ومصدر قوته وتميزه كان من المفترض المحافظة عليها بشكلها السابق او تحسينها بطريقة تحفظ الذاكرة والمكان والتاريخ في توافق، لأنها تمثل ذاكرة الانسان القطري. لا يملك جيل الأمس بناء ذاكرة جديدة فيقع فريسة للزهايمر في سن مبكرة، لأنه افتقد قاعدة الذاكرة التي يستند اليها واقعيا، والسن بدوره يعمل على تآكل الذاكرة الزمنية بفعل التقادم. رسائل وزارة الصحة العامة تضع المجتمع أمام حقيقة مُرة وتدفع في اتجاه التصعيد مع الأسف. حدثني أحد الإخوة في باكرة الصباح، مرسلاً صورة من الرسالة التي تلقاها من وزارة الصحة له، بشأن الاتصال بالرقم المخصص بالزهايمر للحديث حول المرض، وهو لم يشتك بعد، وعلى اعتاب الستين قائلاً: تفضل هل هذه رسالة أتلقاها منذ الصباح الباكر؟ ولكن بعد أن أخذوا المكان، يريدون وبسرعة التخلص من ذاكرة الزمان. [email protected]