13 سبتمبر 2025
تسجيلفي كتابه الموسوم ( مبادئ الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية) يوضّح الصديق الروائي الكويتي ( طالب الرفاعي) أن تدريس مادة ( الكتابة الإبداعية) في الجامعات والمعاهد الأمريكية والأوروبية، انتشر منذ منتصف القرن الماضي وكان بمنزلة تدريس أي مادة علمية، إذ لم يعُد مقبولاً القول المطلق: « الكتابة تعتمد على الموهبة «!؟ ويختتم مقدمة الكتاب بالقول: «لذا نقدّم هذا الكتاب ليكون عوناً لمن أراد أن يسير على درب كتابة القصة القصيرة والرواية، متسلّحاً بمعرفة أدبية علمية لا بُد منها». وفي حقيقة الأمر، أن الكتابة الإبداعية هي خلقٌ من عدم، لذا يتوجب على الكاتب أن يأتي بجديد في المادة التي يُقدّمها إلى الجمهور، في الوقت الذي يلتزم فيه بالمعرفة الأدبية، أي صنعة الرواية، حتى لا يكون كلامه مُعلّقاً في الهواء كالسراب، بل أن يكون لكلامه قيمة ورؤية ينطلق منها إلى مساحات قد تشغل بالَ القارئ، أو تُضمّد له بعضاً من جروحه، وتلامس أحاسيسه. ولأنَّ هذا الكتاب فعلاً يُؤسسُ لكاتب مُبدع، بودّي لو اطلع عليه من يريدون تسجيل أسمائهم في قوائم القصة القصيرة والرواية، كون هذا الكتاب، يضع الأسس السليمة للكتابة الإبداعية. ويُعرّف الأستاذ طالب الرفاعي الكتابة الإبداعية كالتالي: « الكتابة الإبداعية تعبيرٌ كتابي شخصي، يعتمد على الابتكار وليس التقليد، والكاتب إذ يحاولُ محاكاة الواقع، فإنه يستخدم فكرهُ ولغتهُ وخيالهُ، لخلق قطعة حياة فنية تضجُّ بحيوية العيش، وتكون عامرة بشخوصها وأحداثها وأمكنتها، وخصوصية بيئتها». (37) وفي رأيي، أن هذا التعريف يُلخّص لنا فلسفة الكتابة الإبداعية. فنحن هنا لا نتحدث عن الكتابة التقليدية ( التقريرية)، أو النقل المباشر من التراث الشفاهي، أو تخيّل واقع غير مُعاش، ونقله إلى الصفحات، تماماً – كما اشترط المؤلف – ألا تكون هذه الكتابة تقليدية - وهو شرط أساسي من شروط الكتابة الإبداعية. ولقد لخّص هذا التعريف الكتابة الإبداعية، بأنه استخدام ( الفكر، اللغة، الخيال)، وهنا الشرط الثاني من شروط الكتابة الإبداعية. ذلك أن وجود فكرٍ معين، يقوم على الإبداع، عبر لغةٍ سليمة نقية من الأخطاء النحوية والإملائية والموضوعية، إضافة إلى خيال واسع، يُبهر القارئ ويُحلّق به إلى سماوات بعيدة، حتى وإن تعلّق الأمر بواقع مُعاش؛ ذلك أن سعة خيال الكاتب، تؤدّي إلى إدهاش القارئ ورسم صورٍ جديدة لم يألفها. أما الكتابة التي تعتمد على الحوادث والعلاقات الاجتماعية، بين شخوص القصة أو الرواية، فإنها بعيدة عن أساسيات الخلق والإبداع. ويضع المؤلف حجرَ الأساس في هيكل القصة أو الرواية. حيث يدعو إلى التخطيط المُسبّق للعمل، قبل البدء فيه، ويتمثل هذا الحجر في الآتي: 1- الإمساك بلمعة الفكرة العابرة، وتدوين كلمة أو عبارة منها. 2- تدوير الفكرة في الذهن، وتخيّل مشاهدها لفترة قصيرة أو طويلة. 3- تخيّل ملامح الشخصية الأساسية للعمل القصصي أو الروائي. 4- تصوّر بيئة العمل المكانية والزمانية. 5- اختيار أسلوب الكتابة: ضمير المتكلم، أو ضمير المُخاطّب، أو ضمير الغائب. 6- وضع خطة أولية بسيطة للبدء بالكتابة، انطلاقاً من نقطة البداية وصولاً إلى الخاتمة. 7- تخيّر البيئة الملائمة للكتابة. 8- يُفضّل وضعُ جدول زمني لإنجاز العمل المطلوب، دون أن يُشكّل ذلك ضغطاً لكتابة العمل، كيفما أُتُفق. أعتقد، أن هذه خريطة طريق، أو أساس للكتابة الإبداعية، ولابد للكاتب أن يُسجّل ما حوله، إذ قد توحي له صورة طفل على رصيف، برواية أو قصة. أو أن يقرأ بيتَ شعر، ويكون مدخلاً إلى رواية أو قصة. وأنا أُطلق على ( لمعة الفكرة) كلمة (القادح)، الذي يستوقف الكاتب، ويُثير فيه فضول الكتابة. ولقد وضعتُ هذا الأساس فعلاً في رواية ( غصن أعوج)، حيث قرأتُ سطراً، على الإنترنت، يقول: إن القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي فتح بلاد ما وراء النهر، أمر المسلمين أن يُساكنوا أهل البلاد، حتى لا يرتدوا عن الإسلام». وكانت هذه العبارة هي ( لمعة الفكرة) أو ( القادح) الذي أدّى إلى تخيُّل الرواية. إن تقليب الفكرة في الذهن، ووزنها من حيث القيمة الإنسانية والإبداعية، أمر مهم!؟ ولا بد للكاتب أن يسأل نفسه: هل هذه فكرة تستحق كل هذا الجهد؟! وهل ستقبلها دارُ النشر؟! وهل يمكنها أن تُدهشَ القارئ؟!. كما أن تخيّل المشاهِد، يأتي سابقاً على الكتابة، وهنا تتداخل أحاسيس الكاتب، ورؤيته إلى الحياة، وفلسفته في الانحياز أو الحياد، من الفكرة والشخوص. ومن ضمن ذلك، أن يُحدد الكاتب طبيعة وسلوكيات وشكل وأفكار الشخصية الأساسية في العمل. وذلك قبل البدء في السرد. وأعني بذلك ( توصيف الشخصيات)، لأن ذلك يوفر عليه الوقت، ويُجنّبه الوقوع في أخطاء ( تناقض الشخصيات). كثير من الكُتَّاب لا يُعيرون بيئة العمل وعلاقتها بالزمان، الذي تقع فيه أحداث القصة أو الرواية !. ولقد قرأنا العديد من الروايات التي تدور أحداثها في الفضاء المُطلق، لا توجد فيه دلالات المكان والزمان!! وإذا ما اتفقنا على أن العمل القصصي أو الروائي خلقٌ وإبداع، فإن الشخوص لا بد وأن تتحرك وتتطور في مكان وزمان مُحدّدين! وبالتالي، من المهم جداً أن يتعرف القارئ على خصوصية هذين العنصرين ( المكان والزمان)؛ إذ أنهما من عناصر الخصائص السردية لأي عمل. كما أن أسلوب الكتابة أمر مهم أيضاً، حتى يسهل على القارئ استيعاب الأحداث، ولا يجوز الخلط في الأسلوب بين ضمير المتكلم وضمير الغائب ( الراوي المشارك والراوي العليم وضمير المُخاطب). ويأتي المؤلف بنماذج لهذه الأساليب من الأعمال الروائية العالمية. ولعلنا نضيفُ هنا خاصية سلامة اللغة وتشويقها ورصانتها، إضافة إلى حُسن استخدام أدوات الترقيم، التي للأسف، تغيب عن بال بعض الكُتَّاب. ( بالمناسبة قرأت رواية فازت بجائزة عربية عالية، وقد تعثّر فيها استخدام أدوات الترقيم، وتداخلت فيها الضمائر، لأن الكاتب لم يضع علامات التشكيل ذات الدلالة. فمثلاً يقول: « وعندما أثرت انتباهها إلى تعقد قضايا الاختفاء....». هنا يتطلب الأمر وضع (ضمة) على كلمة ( أثرتُ)، حتى لا تُقرأ ( أثَّرت)، وكذلك وضع التشديد على كلمة ( تعقُّد) حتى لا تُقرأ (تَعْقد).. وهكذا. ولنا وقفة مع هذا الكتاب. ولا بد لكاتب القصة أو الرواية من اللجوء إلى (هندسة العمل)، ماهي الخطة ؟ ماهي العلاقات بين الشخوص؟ أين الأمكنة؟ أين الأزمنة؟. كما أن إعطاء العمل الوقتَ الكافي، وعدم التسرع في إنجازه، من المسائل المهمة في الكتابة الإبداعية، لتحقيق عمل إبداعي. كما أن التسرع وسباق الزمن وإصرار البعض على كتابة رواية كل عام أو روايتين كل عام، يُضعف المضمون، ولا يترك للكاتب فرصة إثراء معلوماته، أو التخلّص من آثار العمل السابق. أتمنى على الزملاء المبدعين قراءة هذا الكتاب القيّم، ولسوف يلاحظون كيف أنه سوف يساهم في تطوير قدراتهم ومداركهم. [email protected]