11 سبتمبر 2025
تسجيلتفاءل تقرير الرصد العالمي للعام 2015 الصادر عن البنك الدولي وصندوق النقد من تضييق فجوة مستويات المعيشة بين الأغنياء والفقراء بسبب الجهود الدولية التي تبذل من أجل تأمين غذاء كاف ٍ للمجتمعات الأشد حاجة. وذكر أنّ هناك الكثير من العمل لابد من بذله من أجل الوصول إلى توازن بين الطبقات، خاصة ً لمن يعيشون بدولار واحد في اليوم، إلا أنه أشار إلى ارتفاع أعداد الفقراء بشكل ملفت بلغت نسبته 19% في 2008. في رأيي أنّ هذا التقرير قد جانبه الصواب في تقديراته للأعوام التي سبقت 2008، إلا أنه في السنوات العشر الأخيرة برزت على السطح مسببات كثيرة في المجتمعات العربية والأوروبية زادت من معدلات الفقر بشكل ملحوظ، أهمها البطالة في العالم العربي ودول أوروبا، وعدم المساواة في الدخل، وضعف الأجور، وتزايد النزعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط التي أدت إلى تشريد ملايين اللاجئين من دول النزاع إلى دول مجاورة مما فاقم من شدة الاحتياجات المعيشية والدوائية والصحية اليومية. وزادت تكاليف التنمية الاجتماعية والاقتصادية على الدول المتضررة سواء في أوروبا التي تعاني من انهيار مالي وتراجع مؤسسي بسبب الديون، أو من دول عربية تضررت بنيتها التحتية بسبب عدم الاستقرار، وبدلاً من إنفاق الموازنات على النهوض باقتصادات المنطقة توجه الإنفاق إلى أعمال الإغاثة والرعاية الطبية وإنقاذ اللاجئين وتأمين أماكن آمنة لهم في دول قريبة من مناطق الكوارث. يفيد التقرير أنّ مسببات الجوع والفقر هي ضعف البنية التحتية، والاستغلال المفرط للبيئة، والأزمات المالية، والكوارث الطبيعية، أضف إلى ذلك مستجدات واقعنا المؤلم من نزاعات وخلافات سياسية واضطرابات في عدد من دول الشرق الأوسط، وضعف الإصلاحات الاجتماعية والمعيشية في دول اليورو. ويرى البنك الدولي بتفاؤل أنه من المتوقع أن يتم التخلص من الفقر بحلول 2030، بفضل النمو السريع لدول آسيا وبعض الدول النامية، وأنّ الأمم المتحدة سوف تنجح في خفض أعداد الفقراء إلى النصف خلال 25 عاماً، إلا أنّ النظرة التفاؤلية لن تجد طريقها في عالمنا بسبب تفاقم نتاج النزاعات المسلحة التي حصدت الأخضر واليابس، وأنّ جهود الإصلاح والنهوض ستأخذ الكثير من الوقت. ويستشهد البنك الدولي بالنمو الاقتصادي في دول الصين والهند والبرازيل، التي نجحت في انتشال الفقراء من الفقر ونقلتهم إلى طبقة متوسطة، إلا أنّ 13% ما زالوا يعانون من نقص التغذية في الدول النامية. ويشير إلى أنّ الفقراء في البلدان النامية كان يقدر عددهم بـ 1.9 مليار نسمة في 1990، فقد انخفض العدد إلى 1.2 مليار نسمة في 2010، إلا أنه عدد كبير جداً. فالدراسات التحليلية التي أجراها خبراء من البنك والنقد الدوليين تشير إلى أنّ السياسات الإصلاحية إذا ظلت تسير بوتيرة بطيئة، لن يكون هناك خفض لأعداد الفقراء، بل ستفاقم الوضع أكثر ما كانت عليه بسبب ظهور متغيرات واقعية تعصف بعالمنا الاقتصادي اليوم. وتتوجه كل الدراسات والحلول إلى إيجاد استراتيجيات غذائية ومائية وزراعية دولية آمنة، تضمن تأمين قوت غذائي للفقراء أو المعدمين في العالم، وهذه السياسات طويلة الأجل تستغرق وقتاً ولن تؤتي ثمارها في يوم وليلة. وأؤكد هنا أنّ الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها سلة الغذاء العالمي، سيعمل على توفير أرضية خصبة لنمو الاستراتيجيات، وفي حال استمر الوضع المضطرب على ما هو عليه، فإنّ عالمنا مقبل على نقص حاد في الغذاء والماء. وإذا انتقلت لدول الخليج، التي وعت مبكراً وفي السنوات الأخيرة إلى ضرورة البدء برسم مبادرات عالمية لدعم الغذاء في دول الخليج، وخصصت موازنات ضخمة لبناء بيوت محمية وزراعية ومائية، وبناء صوامع للغذاء والحبوب، وعقد شراكات ثنائية من أجل تعزيز النمو في قطاع الغذاء والماء والزراعة. فدولة قطر مثلا ً بنت استراتيجيات مستقبلية لتعزيز الأمن الغذائي والزراعي والحيواني، والمملكة العربية السعودية قدمت 500 مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي في 2008، الذي استفادت منه 60 دولة، وقدمت مؤسسة دبي للعطاء في 2006 تمويلا ً للعديد من مشروعات الري والآبار في الدول النامية. وهذا يشير إلى أنّ الجهود الدولية تسير نحو إيجاد مخزون قوي للغذاء والماء، إلا أن الوضع الراهن لعالمنا العربي من توتر يتطلب إعادة النظر في الكثير من الاستراتيجيات، وبناء صياغة جديدة للمعيشة في السنوات القادمة، بهدف الحد من الفقر، وتقليل أضراره على مستويات المعيشة.