17 سبتمبر 2025
تسجيلأكد صندوق النقد الدولي في اجتماعه الأسبوع الماضي بواشنطن أن معدل النمو بالدول الأوروبية مازال ضعيفاً وغير قادر على تعويض الأثر السلبي لعامين سابقين سادهما الركود والانكماش.... حيث لم يتجاوز معدل النمو في النصف الأول من هذا العام 20.3 تريليون يورو، وفي ظل صدور العديد من الدراسات والتقارير غير الإيجابية وانخفاض معدل التضخم إلى أقل من 1% سنوياً فيما يستهدف البنك المركزي الأوروبي هذا المعدل عند 2%. وفي ضوء ضعف الأداء الاقتصادي وسوء المؤشرات الاقتصادية للعديد من الدول الأوروبية، وكذا ضعف استثماراتها المنفقة خاصة على مشروعات البنية التحتية التي انخفضت بنحو %20 عما كانت عليه قبل عام 2008، فقد حذر خبراء صندوق النقد الدولي الدول الأوروبية من أية صدمات اقتصادية أو مالية جديدة لأنها ستكون كفيلة بإيقاف التعافي الاقتصادي الأوروبي الهش، بل وخفض الصندوق من توقعاته لمعدل النمو بالدول الأوروبية وفي مقدمتها دول منطقة اليورو. وما زاد من توقعات صندوق النقد الدولي بخفض معدلات النمو في الدول الأوروبية هو صدور تقرير عالمي هام من شركة الاستشارات المالية الدولية "PWG" في أوائل الشهر الماضي يفيد بأن حجم الإنفاق الأوروبي على مشروعات البنية التحتية في عام 2025 لن يتجاوز %10 من حجم الإنفاق العالمي، بعد أن كان %20 في عام 2007 وذلك في الوقت الذي يمثل فيه حجم إنفاق دول آسيا الباسيفيك على البنية التحتية في عام 2025 نحو %60 من حجم الإنفاق العالمي.... كما أكد فريق الخبراء الاقتصاديين بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على وجوب وضرورة إنفاق دول منطقة اليورو لمئات المليارات على البرامج الاستثمارية المرتبطة بقطاعات الطاقة والتكنولوجيا والإنترنت السريع. وفي ظل هذه التقارير والمؤشرات الاقتصادية والمالية الأوروبية غير المرضية فقد أوصى صندوق النقد الدولي الدول الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بضرورة اتباع سياسة التيسير الكمي وشراء الأصول والسندات أسوة بالتجربة الأمريكية واليابانية.... إلا أن البنك المركزي الأوروبي لم يحبذ حتى وقتنا الراهن تطبيق سياسة التيسير الكمي وفضل التعامل معها باعتبارها بمثابة خط الدفاع الأخير، مفضلاً بديلاً عنها تطبيق برنامج جديد بدأ تنفيذه اعتباراً من أول سبتمبر الماضي لإقراض البنوك المركزية الأوروبية بمبلغ تريليون يورو، وذلك بمعدلات فائدة ميسرة للغاية واشترط هذا البرنامج أن تصب هذه القروض مباشرة في الاقتصاد الحقيقي للدول الأوروبية من خلال إعادة إقراض هذه القروض المدعومة للشركات المنتجة والأفراد "وعدم إقراضها لعمليات الرهن العقاري" بما يعمل على تنشيط الطلب الكلى بالدول الأوروبية. ومن ثم لم يستمع مسؤولو البنك المركزي الأوروبي لنصيحة صندوق النقد الدولي ولوجهة نظر العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين والماليين الذين طلبوا منه وحثوه على تطبيق سياسة التيسير الكمي خاصة وأنها نجحت في العديد من الدول الأخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبنكها المركزي والتي أدت إلى زيادة اعتماد الكثير من الشركات الأمريكية لتدبير احتياجاتها التمويلية من أسواق السندات، وهو الأمر الذي ساعد على خفض تكلفة اقتراض هذه الشركات بسبب شراء البنك المركزي الأمريكي لسندات الخزانة وسندات الرهن العقاري المضمونة من الحكومة مما تسبب في تراجع عوائدها، ومن ثم تحول المستثمرين إلى سندات الشركات التي تولت بعد ذلك قيادة عملية خفض العائدات، وما ترتب على ذلك من تنشيط الاقتصاد وسرعة تدويره وخروجه من دائرة الركود. إلا أن خبراء البنك المركزي الأوروبي يصرون على أن سياسة بنكهم الجديدة سوف تعمل على تحفيز الانتعاش وبصفة خاصة في دول جنوب أوروبا التي لاتزال شركاتها الصغيرة محرومة إلى حد كبير من الحصول على الائتمان المطلوب، وإن أوضح خبراء البنك المركزي الأوروبي أن عمليات التمويل الجديدة يمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، إلا أنهم مستعدون للتحلي بمزيد من الصبر حتى تحقق هذه السياسة وهذا البرنامج الجديد أهدافه المعلنة حتى وإن كان ذلك على حساب خفض التضخم. فيما يرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين والماليين أن خفض معدل التضخم في الوقت الراهن سوف تضر الكثير من المدينين بالدول الأوروبية الذين ارتفعت عائداتهم ببطء أكثر مما كان متوقعاً وقت حصولهم على القرض وما يترتب على ذلك من آثار سلبية خطيرة، وسوف تزيد معاناتهم كثيراً في حالة تحول انخفاض التضخم إلى حالة من الانكماش.