11 سبتمبر 2025

تسجيل

عامان على سقوط القذافي

22 أكتوبر 2013

عامان مضيا على سقوط الرئيس الليبي المخلوع والمطارد والقتيل العقيد معمر القذافي، ولا تزال ليبيا تعيش حالة الفوضى سياسيا واجتماعيا، وإذا ما أردنا اختصار المسألة بجملة واحدة، سأقول إن ليبيا لم تكن دولة مؤسسات راسخة من الأصل، أي منذ توقف الزمن لدى القذافي حينما قام بترفيع رتبته إلى عقيد وأوقف كافة الرتب العسكرية أن تتجاوز العقيد، واعتمد على نظام غير معمول به حتى في أكثر البلاد جهلا وتخلفا سياسيا، فاستبدل المؤسسات والحكومات، بما أسماها اللجان الشعبية وهذه لعبت دورا في إفراز الأشخاص الأكثر سطوة في المجتمع المحلي ولدى القبائل، وأسست لجاهلية سياسية لدى المجتمع غطى عليها سياسة الدولة الريعية، وفساد كثير من الأشخاص المرتبطين مباشرة بالعلاقات الأمنية والتجسسية والمالية مع رأس النظام وأعوانه. لهذا من الصعب جدا التخلي العربي عن ليبيا، وتركها في العراء السياسي ما بين شواطئ السفن الأوروبية الطامعة في خيراتها وخيراتها النفطية فقط، وما بين بحار الرمال الصحراوية في الجنوب الذي لا يزال يمتلك أهله كماً هائلا من الشوفينية الجنوبية، فهم لا يعتبرون أنفسهم عربا كما هم أهل الشمال، فقبائل التوبو والطوارق يشددون على أن ليبيا لهم أصلا، وأن العرب في الشمال ليسوا ليبيين، وهنا لن ندخل في جدال تاريخي وجدال أنساب، بل تذكير بالمهمة التي أسقطت حكم القذافي المرعب، والسؤال لماذا لم تنجز على أكمل وجه. إن شعبا مثل الشعب العربي الليبي، كان الأحرى بأشقائه العرب أن يقدموا له المساعدة في تجاوز مرحلة الفوضى العارمة قبيل وبعد سقوط القذافي، وانتهاء مهمة الناتو، ومن خلال مؤسسة الجامعة العربية تقوم الدول العربية المعنية بالمساعدة على تأسيس حكومة مؤقتة هناك حتى تستتب الأمور وتقرّ قوانين تنظم العمل السياسي والحزبي، وتجرى انتخابات على أسس واضحة ورؤى مستقبلية تنهض بالدولة الليبية الجديدة نحو مصاف الدول المتحضرة، لا أن تترك لنزاعات قبلية لم يستطع السياسيون الحقيقيون فيها والمعارضة السابقة في الخارج من تأسيس طاولة حكم فعلي، فكل ما جرى لم يعد عن كونه تفاهمات مغلفة بطابع التخجيل والتمرير نحو مرحلة مجهولة خلال عامين مضيا. الإشكالية في الوضع الليبي رغم أنهم قفزوا مباشرة لتشكيل مجلس انتقالي نحو بناء دولة جديدة، إنهم لم يتفقوا على حل الصراعات الداخلية التي نشأت خلال فترة الثورة والتي تمت عسكرتها، ونتج عنها قتلى من طرفي النزاع، واشتدت قصص الثأر، وظهرت على السطح خلافات بائنة بين مختلف الأطياف الفكرية التي تقود التوجهات السياسية، ولا تزال بعض الدول تلعب بأيد خفية لصالح إفشال مشروع الدولة الليبية الديمقراطية المرجوة، وهذا لا يخدم الواقع العربي في أي حال من الأحوال. الأمر الآخر أن الصراع الدائر في دول أخرى أشاح النظر عن الوضع الداخلي في ليبيا، وهي إستراتيجيا أهم من تونس مثلا الجارة القريبة، فالنفط والغاز والسواحل الطويلة كلها تقبع مقابل أوروبا التي باتت تتحكم في السياسات الشرق أوسطية أكثر من الولايات المتحدة، وروسيا لا تزال عيناها شاخصتان نحو ليبيا التي قالت إنها لم تستفد منها شيئا بعد إسقاط القذافي، وعلى أحد ما في العالم العربي أن يستفيد من الوضع الهش في ليبيا لتثبيتها عربيا وإسلاميا وجدانيا وقوميا وألا تترك لتلجأ إلى دولة غربية أو شرقية للاستفادة من خبراتها لبناء نظامها السياسي والاقتصادي من جديد على الليبيين أن يشعروا أن الدعم العربي خصوصا قطر لهم هو من خلصهم من حكم الدكتاتور، وأن حلف الناتو لم يأت لهم إلا عبر بوابة الأشقاء، وعليهم ألا يديروا ظهورهم لمن ساعدهم، وعلى العرب ألا يتركوا الليبيين في مهب النزاع والفوضى كما شاهدنا مؤخرا، ولو نظرنا في التاريخ سنرى كيف قام جمال عبدالناصر بزيارة طرابلس الغرب بعد عام من ثورة القذافي المدعومة من النظام المصري، وكيف خطب فيهم ليشعل حماسهم، وكيف شدد على أن الثورة ما قامت لولا دعمه لها، وبقي مستفيدا من نظام القذافي طوال سنتين كانا آخر ما تبقى له من عمر. هنا لا أدري إن كان لي الحق في أن أطرح السؤال المباشر: لماذا لا تعود دولة قطر إلى لعب دورها الحيوي في إعادة هيكلة نظام جديد في ليبيا من خلال رعاية مؤتمر لكافة الفرقاء السياسيين والجماعات التي تلعب دورا غير متناسق في محاولة للخروج من عنق المأزق هناك، فقطر كان لها الدور الأكبر في مساندة الشعب الليبي ومساعدته في ثورته نحو التحرر من الحكم الدكتاتوري السابق، ومن غير المعقول أن يقطف ثمار الثورة عالم غريب عن عروبتنا، أو أن تقسم ليبيا جنوبية وشرقية وشمالية.