11 سبتمبر 2025
تسجيللا أكتب مقالي تحت تأثير لبَسٍ في المفردات ولا تيهٍ في معاني الكلمات، فلا الفوتوشوب هنا يتعلق بالتصوير والمصورين ولا العلاقات بات باطنها كالظاهر، ولست أنا شخصياً ممن يجترّ الماضي وطيبة القلوب ومحبة النفوس ولن أحمّل الزمن ما آلت إليه أحوال جيلٍ بعد جيل، الحقيقة أنني أحترم كل جيل ولن أذرف الدموع على زمنٍ غابرٍ وكأني لا أعيش الحاضر بما فيه. عموماً نعلم أن الحياة عبارة عن أشخاص ومواقف وأفعال وحقائق وأكاذيب وتجارب ودروس وعبر مؤلمة ومفرحة، يتساقط بها البعض، فمنهم مَن يسقط مِن القلب وبعضهم من الذاكرة والبعض الآخر يسقط من العين، حينها فقط ندرك حقيقة أن السعادة ليست في عدد الأشخاص حولنا بل في قيمتهم. لقد خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن قياسات وموازين ومكاييل وحياتنا وعواطفنا وأفعالنا ومشاعرنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة وليست خالية منها، فالزيادة والنقص يسببان لنا المشاكل، والطيبة كما نعلم صفة حميدة يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، ولكن رغم رقي تلك الكلمة إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة نتج عنها نتائج تنعكس على صاحبها، لذا نبحث عن الاعتدال فيجب أن يكون كل شيء بالحياة موزونا بهذا المكيال، فلا يجوز المبالغة في كلا الأمرين ولا يجوز الثقة العمياء بالأشخاص لأن هناك فرقا بين طيبة القلب والثقة العمياء التي هي بداية الفوتشوب في العلاقة أياً كان اسمها أو شكلها أو مع من هي، فمن صعُب عليه كشف صدق الوجه فليتأمل في المواقف ويُدقق في ردات فِعل أصحابها وسيرى الحقيقة بأم عينه عندما يحتاجها، فأحيانا يصور لنا البعض أنهم أجمل أشخاص مروا في حياتنا بأجمل مبادئ وشخصية وتعامل وأخلاق ويكون حالك كحال أفلاطون ومدينته الفاضلة لا هي وُجدت وليست إلا خيالا، وفي العلاقات ومع المواقف تكتشف أن الصورة ليست إلا "فوتوشوب". أصحاب مهنة إيقاف اللحظة عبر الصورة يُظهرون لنا أجمل ما في اللقطة ويلجأون للتعديلات التي يُطلق عليها فوتوشوب لتكون الصورة أجمل وأنقى ونتقبلها وقد نتباهى بها، وهكذا حال العلاقات مع فرق أن التعديلات قد يُكشف عنها الغطاء وتظهر التشوهات لاحقاً، كذلك هم البشر إذا اقتربت لعدَسة الكامِيرا فلَن تظهر صورتهم كاملة فِي الصورَة ولكن إذا ابتعدت عن العدسة سترى حقيقتهم وأعينهم كاملة وفي بعض الأحيان نتصور ولا نرغب في رؤيتهم على حقيقتهم، فهناك من يدعون المثالية في صورهم وهم يفتقدون عموما للمنطق، وهناك من ابتليت بهم المثالية المزيفة، ويعتقدون أنهم أذكى الناس ولكن في الغالب تكون آفاقهم ضيقة ونظرتهم عميقة للحياة وهم يفتقرون إلى الإنسانية، فحديثهم شيء وحقيقتهم شيء آخر وقد يتسترون بستار الأخلاق والمثالية. الحياة يا أصدقائي لا تعطي دروسا مجانية لأحد فحين نقول علمتني الحياة فتأكد أنك دفعت فاتورة الثمن غالية جدا، واعلم أن اليد التي تنهضك عند تعثرك أصدق ألف مرة من يد تصافحك عند الوصول فنحن لسنا مجبرين على تبرير المواقف لمن يسيء الظن بنا ومن يعرفنا جيدا يفهمنا، فالعين تكذب نفسها إن أحبت والعلاقات الطيبة تبقينا سعداء معافين صحيا ونفسيا وتؤدي لتبادل المشاعر الطيبة والأفكار والرؤى والثقافات وتؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعرك بالرضا والسعادة. ولقد قيل إن العلاقات كالبورصة إذا رأيت أسهم الاهتمام تنخفض فانسحب قبل أن ينهار اقتصاد كرامتك! فالاهتمام واضح وضوح الشمس ولا يمكن لأحد أن يتصنعه ويتكلف به لذلك لا تجبر أحدا على الاهتمام بك لأنه إن لم يكن نابعاً من القلب فلن يأتي أبداً، ولا تنتظر من أحد أي عطف وعراك وبكاء ولا حتى قتال لأن الحب والاهتمام لا يطلب. فلا تجبر نفسك على شيء يسبب لك القلق والمرض ولا تسمح لأحد أن يعاملك بمشاعر مؤقتة يأتيك حين يحزن ويمرض وينساك حين يفرح، واترك مسافة كافية بينك وبين الآخرين وارسم حدودك بوضوح وبصراحة للآخرين وبيِّن لهم ما يعجبك وما لا يعجبك. وتأمل في طبيعة عمل زوم الكاميرا فالاقتراب الشديد لا يظهر جمال الصورة، وكن مستعداً لتكتشف فوتوشوب الكثير من العلاقات في حياتك مع كل موقف أو اختلاف. أخيراً: تقول أحلام مستغانمي "الحبُّ هو ذكاءُ المسافة. ألا تقتربَ كثيرًا فتلغي اللهفةَ، ولا تبتعِدَ طويلًا فتُنسى".