11 سبتمبر 2025

تسجيل

وزارة الثقافة وحريم السلطان

22 سبتمبر 2015

ويكأنّه لم يبقَ لنا من ثقافة إسلامية سوى الاحتفاء بعصر الوسائد والتغني بمجد الفحولة على أرائك النساء!!! الثقافة الإسلامية التي شقت طريق الحرير وانتصرت في نهاوند على الساسانيين الفرس ومن ثم في آسيا الوسطى على المغول بفتح سمرقند، وفتحت الأندلس حضارة زاهرة وإرثها الإسلامي الذي جعل إسبانيا العصر الحاضر والغارقة في الديون مقصدا للسياح من دول العالم قاطبة وسببا في رفع المعانة عنها في عصر ركودها الاقتصادي. معرض مسلسل "حريم السلطان" الذي افتتحه وزير الثقافة والفنون والتراث القطري يوم 16 سبتمبر الجاري في جاليري متاحف قطر بالمؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) يعد تهميشا للثقافة الإسلامية الجليلة التي حفلت بعديد من الإضاءت التي كان الأجدر بوزارة ثقافتنا ومتاحفنا أن تحتفي بها بدلا من محاكاة مسلسل درامي تركي في معرض سطحي يأخذك لقصر الباب العالي للعيش في حقبة السلطان سليمان القانوني من عصر الإمبراطورية العثمانية. لقد حظي المعرض بحضور دبلوماسي وللأسف في مفارقة عجيبة لمستقبل أمّة وجدت على أعتابها همجية داعش وولاية الفقيه وسط تدمير متعمّد لمعالم الحضارات الماديّة المسجلة في إرث اليونسكو الدولي والتي لم يشهد لتدميرها التاريخ مثيلا منذ عد هولاكو وحتى عصرنا، والذي يوازيه اليوم تدمير الإرث المعنوي بصنيعة مثقفي اليوم فيما تبقى لنا من رمق كنا نأمل أن يتجاوز فيه تشويه التاريخ الإسلامي حتى لو كان الهدف هو "الاحتفاء بالعام الثقافي (قطر- تركيا 2015) تقديرا لثقافة كل من البلدين وإنجازاتهما وإرثهما الحضاري والتاريخي" حسب تصريح وزير الثقافة . أو" لتعريف الملايين بالأهمية التاريخية والثقافية للإمبراطورية العثمانية." وفق تصريح مديرة العلاقات الثقافية الإستراتيجية في متاحف قطر.هذا وتعتبر دولة قطر بمشروع وزارة الثقافة وهيئة متاحف قطر هذا الناقل الرسمي الأول لبطاقة دخول المعرض التركي لـ"حريم السلطان" الجولة العالمية في أول مغادرة له من تركيا بعد المعرض الأول له في إسطنبول نوفمبر 2014. كم نتألم كمسلمين وكمثقفين...!!! نتألم على ثقافة بائسة تحتفي بدراما قدّمت السلطان سليمان القانوني على أنه "زير نساء"، ولم تشر قط إلى أنه فاتح ومشرّع لكثير من قوانين الدولة العثمانية قد فاقت المائتين. وإذا كان وزير الثقافة التركي سلفا في عام 2013 قد كرم أبطال المسلسل ومخرجه لأنه حقق أعلى نسبة مشاهدة ونجح في تنشيط السياحة في تركيا، فنحن في حلّ من سياسة وزير يطمح في تنشيط سياحة بلده - تركيا- دوليا على حساب القيم الإسلامية، نحن في حلّ من صنيعه خصوصا أن لدى الوزير التركي من يعارضه أو يواجهه فضلا عن وجود برلمان يحاسبه وليس لدينا مجلس شورى منتخب يحاسب وزراءنا ورؤساء هيئاتنا إذا شطحوا بقيم وهوية مجتمعاتهم بل حضارتهم الإسلامية الزاهرة. هذا ورغم موقف وزير ثقافة تركيا من هذا المسلسل بالذات إلا أنه قد ووجه بالهجوم والنقد اللاذع من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ بثه والذي لا يمثل رأيه كرئيس لتركيا فحسب، بل يمثل علما مثقفا وبارزا من أعلام العالم الإسلامي. الرئيس أردوغان ندد بمخرجي هذا النوع من الدراما التمييعية واستنكر تشويه عصر الخليفة سليمان القانوني قائلاً: "ليس لدينا أجداد مثلما يجري تصويرهم في هذا المسلسل".لافتاً إلى أن السلطان القانوني قضى ثلاثين عاماً من عمره على ظهر الخيول في إطار الفتوحات التي خاضها.وإذا كانت الوزارة ترى أن "العمل الدرامي هو رأي للكاتب ويختلف عن الواقع التاريخي" وأنه "يتوجب النظر إليه على أنه عمل فني وليس بنظرة تاريخية واقعية" كما صرح الوزير، إلا أنه لا بد أن نذكّر بأن وزارت الثقافة ليست في مقام محاضرات جدلية على مستوى النقد الأدبي لتمجد شعار مدرسة واحدة فقط في مدارس النقد الأدبي تلك التي تنادي بأن "الفن للفن" حتى لو كان ساقطا دون انتقائية مدروسة، إذ لا ضير على وزارة الثقافة بعدها أن تنشر "أي أمر مادي أو معنوي دولي" فيما يشيع الفاحشة في المجتمع إذا كانت تؤمن بنظرية أن الفن مجرد من أي معايير أخلاقية أو من "الهوية"، لكن وزارة الثقافة وبناتها في قطر مؤسسات ثقافية تتبع الدولة وليست مؤسسات خاصة أو مستقلة، بل حكومية قائمة على رؤية ورسالة وهدف وهي المعنية بالقيم والهوية ونشرها وبتنفيذ بنودها في المجتمع قبل غيرها، خصوصا أنها مواد تأسيسية مدونة في "نظامها الأساسي".كنا نتمنّى على وزارة الثقافة أن تقيس ترويج مثل هذه الدراما على ما سواها من إضافات إسلامية مثرية كانت هي الأجدر بدلا من هدر الموازنات الضخمة التي هي مالٌ عامٌ على "حريم السلطان" خصوصا أنها المعنية بمفهوم كلمة الثقافة في المجتمع بل وبترويجها على المستوى العربي والإسلامي، لاسيما أن الربحية الرأسمالية المتجردة من القيم في هذا المسلسل خلّفت إفرازات سلبية شبيهة على الدراما العربية مثل بثّ مسلسل "سراي عابدين" بعده والذي سُطّحت قيمته من قبل مؤلفة كويتية سخرت قلمها لكتابته الدرامية بعد مكاسب ربحية "حريم السلطان" حيث تم عرض زاوية واحدة للمشاهد سواء الأجنبي أو العربي الجاهل أو الصغير سنا والذي لن يعي من هذه الدراما سوى أن الحاكم المسلم مجرد زير نساء كما صوره الآخرون بأنه سفاك دماء، وأن النساء المسلمات سواء كانت زوجة "سيدة القصر" أو ما سواها لم يكن لهن في القصر سوى لغة الشهوة رغم الدور البارز للمرأة المسلمة في الحنكة السياسية في التاريخ الإسلامي أيضا، تلك هي الصورة المغلوطة عنا في العالم الغربي والتي عجز إعلامنا عن أن يواجهها بل أسهم معها في جلد الذات وتشويهها.إن الاحتفاء بعصر الحريم وتصوير الخلافة الإسلامية منذ عهد هارون الرشيد إلى عصر الدولة العثمانية بـ "مخادع النساء" لهو تشويه للحضارة الإسلامية ... وفي ذلك لا ننفي وجود ظاهرة "حريم القصر" بمختلف مسمياته، كما لا ننفي على الإجمال ولع السياسية بالحرملك ولكنها ظواهر قائمة في كل دهليز من دهاليز السياسة في كل قُطر وإن اختلفت من ثقافة لأخرى ودين لآخر، لكنها على الإجمال سريرة خاصة يجب ألا تشاع للعامة في قوالب فنية رفيعة، وأحيانا تسمى غيرها "فضائح".الحقيقة المرّة أنه لم تصور ثقافة ولا سياسية الحرملك والعلاقات الخاصة تصويرا مشوها كما صورها المسلمون وتفننوا بها.وأخيرا.....يبدو أن وزارة الثقافة القطرية قد نضبت أفكارها وهرمت.... بل عقمت رغم أن حضارتنا الإسلامية خصبة ولا تزال حُبلى.