27 أكتوبر 2025

تسجيل

كالنقش في الحجر

22 أغسطس 2023

بالأمس وأنا أقلب في هاتفي كما هي عادة أي شخص في أوقات متفرقة من اليوم لفت نظري مشاهد عدة من تركيا والجزائر وباكستان لجموع أطفال لا تتجاوز أعمارهم أربع وخمس سنوات وهم يخرجون من دور حفظ القرآن الكريم أو يحتفلون بإتمامهم حفظ أجزاء من القرآن مع معلميهم وأهاليهم والابتسامة العريضة تزين ملامحهم الصغيرة الجميلة وهم يصطفون بترتيب وبملابس بيضاء موحدة بينما تزينت رؤوس الفتيات الصغيرات بأطواق من الورد وهن يرتدين الحجاب رغم صغر سنهن وتساءلت في نفسي لم لا تكون دور الحفظ لدينا بهذه الصورة الفاعلة التي تجعلنا نُخرج أجيالا ترعرعت على حفظ القرآن منذ نعومة أظفارهم وليونة مهودهم ؟! أين تلك هي الدور التي تحوي الأطفال منذ صغرهم ويحرص الآباء على انضمام أطفالهم لها فيتربون على أخلاق القرآن ويتمون حفظه في أعوام مبكرة من أعمارهم ؟! ألسنا نحن العرب والقرآن قد أُنزل بلسان عربي مبين ؟! لماذا نرى هذه المشاهد الجميلة في دول غير عربية حرصت على أن يتعلم صغارها كتاب المسلمين حفظا وتدبرا بينما نحن نسمي أجيالنا بأجيال الآيبادات والبلاي ستيشن ؟! ما الذي يمنع أن تنتعش مثل هذه المراكز في بلادنا الخليجية والعربية وهنا في قطر وأن يسلط الضوء عليها بصورة أكبر وأن تجتهد وزارات الأوقاف الإسلامية والشؤون الدينية في هذا الجانب بالصورة التي تجعلنا فخورين بهذه الأجيال ؟! لأننا نأسف حقيقة أن نرى دور المساجد يقتصر على الصلوات فقط دون حرص من الآباء أن يكون أطفالهم معها في تأديتها أو إلحاقهم بحلقات القرآن الكريم التي نسمع أن تقام عقب صلوات العصر في مختلف أنحاء الدولة ولكن ليس بالصورة النظامية التي تستحق الإشادة أو تغطيتها إعلاميا. اليوم يتعرض ديننا لفتن كبيرة والتقدم التكنولوجي والذكاء الصناعي في سرعة لا نكاد نلحق بها وأجيالنا الصغيرة تواكب هذا كله وتُفتتن بما تراه وتجربه وللأسف أن هذا كله يأتي تماشيا مع قلة الوارد الديني في جنباتها الروحية فتبتعد شيئا فشيئا عن الدين وتعاليمه والفطرة السليمة التي خُلقوا بها ولذا يأتي دور الآباء جليا منذ الصغر في تعميق مفهوم الدين وتعزيز القيمة الدينية للمصحف الشريف وتدبره حتى لو بآيتين كل يوم من حياة الصغير الذي قد نقول إنه لن يفقه شيئا وهو في هذا العمر المبكر جدا ولكني حينما رأيت الرضيع يحيى أصغر وهو صغير جزائري لم يكمل العامين من عمره وقد أتم حفظ القرآن الكريم في هذه السن الصغيرة جدا واعتُبر كرامة من كرامات الله وآياته في أن يستطيع رضيع أن يبدأ بحفظ بآيات السجدة أولا ثم حفظ القرن الكريم كاملا في دور لم يغفله أبوه وأمه اللذان عززا فيه هذا الذكاء واليقظة المبكرة لحفظ كتاب بات يمثل اليوم ثقلا على الكبار والصغار معا فكيف برضيع لا يفقه عن دينه وإسلامه وحياته وحتى اسمه شيئا ؟! وجدت نفسي أستصغر تربية الآباء لدينا وأقول إنهم لم يفعلوا شيئا تجاه صغارهم حتى للذين لم يُفطموا بعد مثل الصغير يحيى هذا الذي كان يكمل الآيات التي كان يبتدر بها الشيوخ من سور طويلة متفرقة ويكملها كما يشرب الحليب الذي لم يشبع منه بعد، فالدين لدينا يميع مع مفاهيم الصلاة والصوم فقط ويُحصر في أمور محددة مع علمنا أن بحره غزير وعميق فكيف إذا كان من المهملات لدينا كتاب الله العظيم الذي يمثل كلامه الحق وتعاليم وحقوق وواجبات ومفاهيم وكل ما يتعلق بديننا في آياته وسوره ؟! لذا فإننا بحاجة لدور أكبر لتنشط مثل هذه المراكز وأن يأتي حفظ القرآن متماشيا مع المنهج المدرسي والمجتمعي لأننا في زمن زاد الإلحاد والفسوق والمجاهرة بالمعصية والرجوع عن كل طاعة وفريضة فإن لم نلتفت لكل هذا منذ الصغر فلا يمكن النقش في الحجر عند الكبر.