12 سبتمبر 2025

تسجيل

في ضيافة الأمريكية صونا وهادي

22 أغسطس 2016

@. في حفل تخرج حملة شهادات الدراسات العليا بجامعة سارا لورنس، كانت الأستاذة صونا أول من قدمت لي التهنئة بتخرج ابنتي، وخلال حفل العشاء في الحديقة الملحقة بصالة الاحتفال، جلست بيننا وقدمت لنا الدعوة لتناول العشاء بمنزلها، حسبت أن ذلك من باب المجاملة، فاعتذرت بلطف وأنا الراغبة انطلاقا من قناعة إن أردت التعرف على ثقافة شعب وعاداتهم وتقاليدهم فادخل لبيوتهم وتناول طعامهم. @. بعد أسبوع أرسلت صونا إيميل تجديدًا لدعوة العشاء فقبلناها، خاصة أن منزلها يقع شمال حي منهاتن بنيويورك وسنصله بالقطار الذي أعشق الترحال به، في ذات الدقيقة التي غادرنا مقاعدنا بمحطة يونكرس، كانت صونا تلوح لنا من سيارتها، والتي أخذتنا بها وسط أشجار باذخة وفلل فخمة، ما إن دلفت للكراج إلا وزوجها هادي القانوني المعروف يستقبلنا بترحاب، مجتهدا أن ينطق اسمي بحرفية وكأنه طفل يتهته في حروف الهجاء، وما إن أجاد نطقه إلا وبدت على عينيه فرحة الإنجاز، وفي حين كانت صونا تركن سيارتها سألنا هادي أي مشروب نفضل ليموناده أم خوخ أو ماء مثلج. @. قبل أن نأخذ مقاعدنا بالمجلس، سألتنا صونا إن كنا نرغب في الفرجة على منزلهم، وحقًّا كانت غرفة المعيشة أجمل الغرف، تتوسطها لوحة تشكيلية كبيرة عبارة عن رسومات وخربشات ملونة لأبنائها الثلاثة، وهم أطفال ولأحفادها وبعض تلامذتها النجباء، باقي أركان الغرفة مزينة بتحف صغيرة وأكواب وملاعق وأباجورات هي ضمن مقتنيات أسرتها الممتدة. @. يبدو أن الأستاذة صونا قصدت مراعاة عقيدتنا الإسلامية، دون أن تتعرض لذلك مباشرة، حيث قدمت لنا المقبّلات والوجبة الرئيسية من المأكولات البحرية والسلطات الخضراء المدهونة بزيت الزيتون والمكرونة بالأعشاب العطرية. شاركنا جميعا في إرجاع الصحون للمطبخ، فإذا جزء من الدواليب تراصت بها كتب لروايات وقصص قصيرة ولفنون الرسم والتلوين والطبخ وبعضها توزعت ما بين الصحون والأكواب، فصونيا وزوجها هادي كما هم أسرة ناجحة في مجال تخصصهما، هم أيضا يمارسون هوايات مشتركة منها النحت والرسم والزراعة ورعاية الزهور. @. خلال العشاء كانوا حريصين على معرفة المزيد عن عاداتنا وتقاليدنا وكيفية تربيتنا لأطفالنا، وأبدوا حرصا خاصا على معرفة رؤيتنا عن الشعب الأمريكي والمقارنة بينه وبين الشعوب العربية...الخ، وأصرت صونا على إيصالنا لمحطة القطار، وهي تودعنا شكرتها على كرم الضيافة واقتطاعها وقتا ثمينا لاستضافتنا رغم مشغولياتها الجامعية، وقلت لها إن الشهادات العلمية موجودة بالمؤلفات والكتب، وفي زماننا هذا من السهل أن يحوز الكثيرون أرفع الشهادات العلمية، ولكن ليس من السهل بناء علاقات مودة ومحبة وتقدير ونسج لوشائج إنسانية كالتي ساقت أقدامنا لنكون ضيوفا مكرمين عند أستاذة جامعية لا تربطنا بها لا وشائج الدم ولا العروبة ولا الديانة ولا العادات والتقاليد، فاغرورقت عيناها بالدموع، وقالت لبنيتي: أريد أن أحتضن أمك مرة ثانية وثالثة؛ فما سمعته منها لم أجده في كثير من الكتب العلمية والمؤلفات الثقافية والأدبية ومن اليوم اعتبرينا أسرتك الثانية.