11 سبتمبر 2025
تسجيليصف البعض الشعوب العربية بأنهم عاطفيون للحد البعيد، وانفعاليون جدا مع الأحداث، ويظهرون غضبهم، ولهذا نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغضب والانفعال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أوصني"، قال: (لا تغضب)، فردّد، قال: (لا تغضب). رواه البخاري. وقد كشف الطب الحديث أن الغضب والانفعال يؤدي إلى رفع مستوى بعض الهرمونات في الدم، وبالتالي يتسبب في زيادة ضربات القلب، مما قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، والشعوب العربية مصابة بارتفاع ضغط الدم منذ أن ابتعدوا عن الإسلام الحقيقي، إسلام العمل والمعاملة، الإسلام الذي أوصى بالعلم والمعرفة واحترام العقل، وليس هناك دين أو كتاب أطلق سراح العقل وأعلى من قيمته وكرامته كالإسلام وكالقرآن الكريم، والأمثلة والإشارات من القرآن الكريم في ذلك كثيرة كقوله تعالى: (لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ). ولعل خروج الشعب المصري في ميادين الجمهورية المختلفة في 30 يونيو، للمطالبة بإسقاط النظام والإعلان رسميا عن إسقاط شرعية الرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا - والذي أمضى عاما واحدا في الحكم - وإعلان وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي إنهاء حكم محمد مرسي في يوم 3 يوليو، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور، ووقوف الجيش في صف المتظاهرين، يشابه إلى حد كبير ما حدث عام 2006 في تايلاند مع "تاكسين شيناواترا" الذي شغل منصب رئيس وزراء تايلاند، حيث تكالبت عليه المعارضة بالتنديد والضغط واحتشد المتظاهرون مطالبين بإسقاط حكومته ووضع نهاية للسياسات الفاسدة التي كانت تنتهجها، والتي أثرت سلبا على الدولة، فأطيح به في انقلاب عسكري في ليلة 20 سبتمبر من العام 2006 وهرب "تاكسين" إلى خارج البلاد. وبعد حل الحزب الحاكم السابق في تايلاند ونجاح الحزب الديمقراطي بالفوز برئاسة الوزراء، استطاعت المعارضة المعروفة بدعمها الكامل لرئيس الوزراء المخلوع "تاكسين شيناواترا" والمسماة بـ "حركة القمصان الحمر" تشكيل حزب جديد (بعد حل حزبهم السابق)، وسمي الحزب الجديد باسم حزب "بويا تاي"، واستمرت المعارضة بالعمل على التسويق للحزب الجديد حتى يوليو2011 بالطرق السلمية والديمقراطية، واستطاعوا عبر صناديق الاقتراع الفوز في الانتخابات البرلمانية التايلاندية، واستطاعت زعيمة حزب "بويا تاي" السيدة "ينغلوك شيناواترا" - الشقيقة الصغرى لرئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا - نيل منصب رئيس الوزراء بعد أن صادق البرلمان على تعيينها كأول امرأة تفوز برئاسة مجلس الوزراء التايلاندي، في الخامس من أغسطس عام 2011. على الإخوان في مصر أن يتعلموا من حزب "بويا تاي" التايلاندي أن سقوط الحاكم المنتخب ليس نهاية المطاف وأن العنف سوف يولد عنفا مضادا، عليهم أن يستفيدوا من درس القطرة التي أفاضت كأس الديمقراطية وأشعلت نيران الأزمة السياسية ضد مرسي، باعتبار أن الغضب المحمود إنما هو الغضب لله والدين والحق، وأن الصابر عن الغضب يعصمه الله ويخضع له عدوه، وأن كف الغضب هو أعظم جرعة يتجرعها العبد ابتغاء وجه الله، وعليهم أن يعوا أن العسكر لا يستطيعون أن يحكموا البلاد والعباد كما كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فالشعب والإعلام الجديد ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام العالمي كلها تشكل مضادات حيوية تقف في وجه سيطرة العسكر بكل قوة ومناعة، وما زال هناك أمل في مصر للخروج من هذا المشكل، والشفاء التام من هذا الداء العضال قبل أن يستشري في جسد الأمة، بالعمل معا لبناء مصر القوية الديمقراطية، عملا بمقولة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "لئن توقد شمعة خير لك من أن تلعن الظلام".