14 سبتمبر 2025
تسجيلويحك إن كنت مسؤولاً حكومياً أو وزيراً ولديك حساب على تويتر أو غيره من وسائل الرأي الحر..مشكلتك تكمن في مجتمعاتك العربية التي تلغي إنسانيتك وتأخذك بجريرة وظيفتك..حقيقة ً طرحت وسائل الاتصال الاجتماعية سؤالاً مهماً، وهو هل الذات المتعاملة مع تويتر أو الفيس بوك هي إنسان حرّ له الحق في حرية الرأي والتعبير أم إنه رهنٌ بما التصق به مؤخراً من مسميات وظيفية في الخدمة الوطنية كبُرت أم صغُرت؟ولأنني من أشد الناس إيماناً بذات الإنسان التي تصبغ هويته وفكره أؤكد ضرورة الفصل بين الإنسان المفكر المعبر والإنسان الموظف أو المستخدم إن صح لنا التعبير، ففكر الإنسان ليس في قيود استعبادية تئن تحت سجن مسمى وظيفته، ما لم يمس أمور الوظيفة وأسرارها أو يخل بالأمن العام.أتابع بإعجاب بالغ الأديب والدبلوماسي والشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام السعودي، وقد احتفظت بتغريدة جريئة له أعجبتني أثناء احتدام معركة الرأي بل المعركة السياسية حول قيادة المرأة للسيارة في السعودية، ورغم حبس "منال الشريف" على ذمة التحقيق فيما اعتبر تحدياً للسلطات السعودية في القيادة فإنه صرّح برأيه في تويتر: "إن قيادة المرأة السعودية للسيارة حق لها مادامت تلتزم بالآداب العامة والأنظمة وأخلاق الإسلام".طبعا هذه التغريدة صدرها بقوله: "رأيي الشخصي — الشخصي فقط"فرأيه عين الحق والصواب لا عين الحكومة، وليس رأياً في استكانة أو نفاق سياسي أو ممالأة، وجملة "رأيي الشخصي" لم يُضِفْها مهابةً بل ضرورةً لمجتمع أمي إعلامياً، فالوزير لم يقل شيئاً يخدش تعاليم الدين ولم يقوض دعائم الأمن العام في السعودية، ولكن لأن البعض — سواء من العامة أو حتى من المنتسبين أو المحسوبين على وسائل الإعلام — لا يفهمون الفرق الدقيق بين الرأي الشخصي والرأي الرسمي.لذلك تلاقفت الصحف الخبر على أنه أول تصريح لمسؤول سعودي حول قضية جدلية كبيرة وحساسة. وهل "الرأي الحر في منبر حر" تصريح؟أبداً.. لذلك وجد الوزير ضرورة أن يؤكد لجريدة "الوطن" السعودية حينها، أنه أورد هذه العبارة على صفحته في الموقع: "أنا عبرت عن رأيي الشخصي، وليس بالضرورة أن يمثل رأي الدولة أو رأيي كوزير".أُرَبِّتُ على يديه لشجاعته وجرأته في طرح الرأي، لأن صراحة رأيه تشي بمدى الشفافية ومدى الثقة بالنفس أيضاً، دون ارتعاد فرائص الإنسان "الوزير" من كلمة الحق أو الرأي أو الخوف على الكرسي.. وهذا منحى سياسي.أما من الناحية الإعلامية فموقفه هذا رمزٌ علّم المبتدئين والدخلاء على عالم الإعلام وصحافة اليوم منهجاً يجب أن يسيروا عليه لأن الكثير منهم "محدثون" فلا يميزون بين الرأي الحر في منابره المختلفة وبين الرأي المؤسسي أو التصريح الصحفي. والخلط الذريع بينهما هو الأمية الإعلامية ذاتها.ولكن دعونا نناقش الموضوع معاً على مستوى واقعنا المتواضع سياسياً وفكرياً:إلى أي مدى يستطيع أي وزير أو مسؤول أن يعبر ويدلي بدلوه في القضايا العامة في أدوات التواصل الاجتماعي، وخصوصا أداة الفكر "تويتر" في المسائل الحسّاسة أو الكبرى، ونعود ونكرر مما لا يمس أسرار الوظيفة؟فهل يطلق حريته ويخلع عباءة الحكومة أم يُحْجُم "كما الكثير" في زمن رقّ الوظيفة وعبوديتها؟القرار ليس صعباً، ولكن ربما يكمن جزء من صعوبته في ضيق ثقافة مجتمعاتنا ومؤسساتنا وحكوماتنا بل وقبلها جميعاً إعلامنا بمعرفة الفرق الدقيق بين حرية الرأي الحر وبين قضايا الوظيفة، وثنائية الأدوار التي يؤديها الإنسان الإنسان، والإنسان الخادم في الخدمة العامة.ولعل أمية مجتمعاتنا تلك هي التي دعت بعض النشطاء إلى التعريف بأنفسهم على "تويتر" بإضافة صغيرة في سيرتهم المختصرة: "رأيي هنا يعبر عني شخصياً وليس عن وظيفتي" حتى لو كان معلوماً بديهياً، وبالضرورة من منطلق منشأ تويتر ذاته.لا ألومهم فإن قومهم لا يعلمون.. وإن علموا فهم يجهلون.. وإن فطنوا فهم يستقصدون.ومع ذلك هناك أعود للوزير فلم أجد في تعريفه في تويتر ما يشير إليه غير اسمه "حافاً" دون لقب ودون وظيفة ودون إضافة صغيرة، انه التعريف الأمثل لإنسانية الإنسان وفكره لا إلى منصبه،لذلك عندما كتب أحد السعوديين للوزير على تويتر: "تصدقون أول مرة يكون عندي صديق بمنصب وزير.. يااااااسلام على الأصدقاء اللي ترفع الرأس".فرد عليه الوزير:" يوماً ما سأغادر الوزارة وآمل أن تبقى الصداقة".فكما العلاقة والصداقة ليس محكها المنصب، الرأي أيضا لا يخنقه المنصب.هذا هو تويتر.. فكر ورؤى وصداقة نزيهة، لم يخلق موقعاً لمناصب ولا لمهاترات أو كلمات نابية أو لفرقة أو انقسام أو تأويل مقولات ووضعها في أطر سياسية أو تصريحات رسمية ليست في سياقها.. إنه المساحة العامة الحرة المفتوحة التي يتساوى فيها الناس جميعاً، فلا فيها وزير ولا أجير، فحرية الرأي والتعبير مكفولة لكل إنسان بموجب:استحقاقات إلهية، "والله لا يستحي من الحق"دولية، المادة "19" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانووطنية، بموجب مواد الدستور في كل قطر. كاتبة وإعلامية قطريةTwitter: @medad_alqalammedad_alqalam @ yahoo.com