15 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت العلاقات القطرية التركية تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وتُرجمت عمليا على كافّة المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والنظرة المتقاربة لمجمل قضايا المنطقة. وشُكّلت في العام 2014 لجنة إستراتيجية تركية – قطرية للتعاون والحوار رفيع المستوى، وتعقد اجتماعاتها السنوية برئاسة مشتركة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأكّدت غرفة قطر للتجارة، منتصف مارس 2023، وجود أكثر من (711) شركة تركية في قطر، وأن حجم التبادل التجاري القطري التركي بلغ (2.197 مليار دولار) خلال العام 2022. وتخلل الأسبوع الماضي جولة خليجية مهمة للرئيس أردوغان شملت الرياض والدوحة وأبو ظبي، وأكد خلالها الرئيس أردوغان بأن "أزمات العالم الإسلامي تُحتّم التشاور والتعاون الوثيقين بين تركيا والدول الخليجية"! وتمخض عن الجولة توقيع عشرات الاتفاقيات المهمة والمتنوعة بين الدول الثلاث وتركيا. وأعتقد أن توقيت الزيارة له دلالات كبيرة حيث إنها تأتي في اليوم التالي لاحتفالات تركيا بالذكرى السابعة للمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016. وهي تعتبر أول جولة للرئيس أردوغان في الشرق الأوسط بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأيضا بعد أسبوع من مشاركته الفاعلة في قمّة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليتوانيا. وتتزامن كذلك مع تسارع التطورات التراجيدية للحرب الروسية- الأوكرانية، وبيان الخارجية الروسية، الإثنين الماضي، بأن قرار مهاجمة جسر القرم تمّ بمشاركة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، واحتمالية الردّ الروسي القاسي، وفقا للرئيس الروسي، وكذلك تكرار التأكيدات الروسية بأن زيادة (الناتو) لمساعداته العسكرية لأوكرانيا تُقرّب الحرب العالمية الثالثة، في وقت تسارع فيه مؤشرات توسعة ميدان المواجهات العسكرية والاقتصادية بعد قرار روسيا بإيقاف العمل باتفاقية الحبوب الإثنين الماضي، وارتفاع أسعار القمح عالميًا فضلا عن حوادث القرصنة بالمياه الإقليمية! وتتزامن الزيارة أيضا مع التهديدات الأمريكية باستخدام السلاح في سوريا ضد "التحرشات" الروسية، والقلق البريطاني من "العقيدة النووية الروسية"! وكافّة هذه العوامل الخطيرة يفترض أن تدفع الجميع للتفكير بجدّية للحفاظ على أمن دولهم! ولا شكّ أن نقاط التقارب والتكاتف بين تركيا والخليج أكثر من نقاط التناحر، ومنها المصالح المشتركة، والجغرافية المتقاربة، والتهديدات المتشابهة، والتحديات المتشابكة وغيرها؛ ولهذا فمن مصلحة الجميع الاتحاد والتكاتف وليس التفكّك والتناحر! وتمتاز تركيا بموقع إستراتيجي يربط الشرق الأوسط بأوروبا، وهي تمتلك قدرات عسكرية مُتقدّمة في مجالات الصواريخ والذخائر الجوية ومسيرات بيرقدار والمدفعية، تتطلّع، بشدة، لزيادة الاستثمارات الخليجية على أراضيها، والتي تصل حاليا إلى نحو 22 مليار دولار! ولهذا، ووفقا لهذه الحقائق والتطورات، أرى أن التحالف التركي الإستراتيجي الناجح مع قطر يُمكن أن يكون أرضية خصبة لتحالف خليجي (عربي) – تركي فَعّال ومُعتبر في القطاعات العسكرية والأمنية والاقتصادية، ويمكن أن يساهم في نشر الأمن في عموم الشرق الأوسط وليس في منطقة الخليج العربي لوحدها! والتحالف التركي الخليجي (المقترح) يُمكن أن يكون بوابة واسعة لدعم الدخول التركي للاتحاد الأوروبي من جهة ولمساندة أوروبا لدول الخليج عبر البوابة التركية من جهة أخرى، وهي حالة تكاملية نافعة لجميع الأطراف! إن التداعيات العالمية الكبرى والتلميح بوقوع حرب كونية وبالذات مع التطورات التدريجية للحرب الروسية الأوكرانية، ربما، تضغط على دول المنطقة، مع احتفاظها بخصوصياتها وسيادتها، للذهاب إلى مرحلة التكامل والتحالف العسكري والاقتصادي مع تركيا، وليس السعي إلى مجرد الحوار والزيارات الدبلوماسية التي لا تنعكس على أمن واستقرار المنطقة! التشابك السياسي العالمي المُركّب الحالي يتطلب الذهاب لسياسات التحالفات الإقليمية والتلاحم الحقيقي حفاظا على الإنسان والوطن.