13 سبتمبر 2025
تسجيلفي الأيام الأخيرة لرمضان وفي أيام عيد الفطر الذي مرّ بنا مؤخرا، استرعاني أكثر من موقف بين ما يدعو للألم وما يدعو للأمل، وحياتنا على الصعيد الشخصي وعلى صعيد الشعوب تراوح بين هاتين المسافتين، لاسيَّما في العقود والسنوات الأخيرة.ولعل مما آلمني ما يلي:ـ صَبغ وجه العيد الجميل بلون الدم القاني سواء من قبل النظام السوري الذي قتل المصلين في مدينة الباب أثناء خروجهم من صلاة العيد، وغيرها من المدن والمناطق خلال أيام العيد، أو من قبل داعش حينما فجّر سوقا شعبيا في مدينة ديالى العراقية فقتل من بسطاء الناس وفقرائهم ممن يسعون للحصول على الثلج لتبريد الماء أكثر من مائة شخص من الأبرياء العزّل.وإذا كان قتل المدنيين في الحالات العادية إجراما فما بالك في أيام العيد التي يفترض أن تكون فرصة للترويح وإدخال السرور على قلوب العباد والتوسعة عليهم، فلاشك أن الإجرام يكون أكثر إيلاما ووحشية. ـ أن تكون تهنئة العيد التي يتم تبادلها بين السوريين، وبين أبناء الشعوب العربية التي تمر بظروف مماثلة كما في العراق واليمن، هي الدعاء بالفرج القريب ولمّ الشمل، فلا يعرف قيمة الوطن إلا من فقد حضنه الدافئ بين نازح ولاجئ، ولا يقدّر قيمة الأمن إلا من عايش الخوف ورأى مناظر الموت والهلع في الوجوه بسبب القصف، وقيمة المسكن والمأوى إلا من تهدّم بيته أو تضرر فاضطر لتركه أو خاف على نفسه من القصف فابتعد عنه مضطرا بحثا عن ملاذ آمن، ومعروف أن آخر التقديرات تشير إلى وجود حوالي 12 مليون لاجئ ونازح سوري، أي ما يعادل نصف تعداد السكان في أقل تقدير. ـ ومما آلمني وأسعدني بالوقت نفسه قيام مجموعة تطوعية في الغوطة المحاصرة التابعة لمدينة دمشق بتنفيذ حلاقة شعر لـ 3000 طفل سوري في الفترة الواقعة بين العاشر من رمضان وحتى نهاية الشهر الكريم، وذلك في إطار مشروع أسمته بهجة العيد، ما آلمني أن تصبح حلاقة الشعر نشاطا خيريا رغم ضآلة قيمة الحلاقة، ما يعني ضيق ذات يد الأسر المحاصرة وعدم تمكّنها عن حلاقة شعر أبنائها، ومعلوم أن من الاستعدادات التي يحرص عليها الآباء قبيل العيد، حلاقة شعر أبنائهم وتحميمهم وتنظيفهم، ليبدوا مع اللباس الجديد بأبهى صورة وأجمل زينة، ولكن عزّيت نفسي أنّ الأمة الإسلامية في أوج عزّها ورخائها خصصت أوقافا لتوفير منشدين للمرضى الذين يؤرقهم ألم المرض، وأوقافا خاصة بالأواني التي تُكسر لتعويض من كسرها كالعبد حتى لا يتعرض لتعنيف من سيده، وما أسعدني هي الروح التكافلية والمبادرات الإيجابية لسد الخلل وإدخال السعادة على القلوب وبخاصة الأطفال في مثل هذه المناسبات، إذ ينبغي أن يعيشوا ونعيش فرح العيد بغض النظر عن الهموم والمنغصات. وخارج المأساة السورية ومأساة الشعوب التي تعيش ظروفا مماثلة لفت انتباهي أمران اثنان خلال المدة التي أشرت إليها، الأول برنامج "خواطر" للإعلامي أحمد الشقيري حيث أظهرت حلقاته الأخيرة كيف استطاع أن يحوّل الخواطر (الأفكار) إلى أعمال ومشاريع تُرجمت على أرض الواقع، أي أنه تجاوز صفة البرنامج الإعلامي أو التوعوي إلى المشروع النهضوي التغييري المهتم بشريحة الشباب أهم شرائح المجتمعات، وفي انفوغرافيك وضع على صفحة الشقيري يتضح أن البرنامج استطاع من خلال مشاريعه التي نفِّذت خلال 11 عاما تحقيق منجزات عملية متعددة من أهمها على سبيل المثال لا الحصر: حفر 400 بئر، تعليم 3180 طفلا، إقامة 1050 مشروعا صغيرا من مشاريع التمكين الاقتصادي، كفالة 2727 أسرة لاجئة، وبناء مدرسة لـ1900 طالب وطالبة، وعلاج حوالي 2300 مريض. لكن ما آلمني توقف البرنامج دون التصريح عن بديل له.. وعسى أن يكون التوقف مرحلة لتخمير وطرح برنامج آخر يصبّ في التوجه العام الذي تبناه الشقيري، وإن برؤية جديدة، لأن التجديد والتطوير من طبيعة الأشياء. أما الأمر الآخر الذي أثلج الصدر فهو حملة "مخالفات معايدة" لإدارة المرور في قطر، والتي استمرت طيلة الأيام الثلاثة للعيد، حيث كان رجال المرور يحررون المخالفات للسيارات التي يوقفها أصحابها في الأماكن العامة والأسواق ووسط التجمعات الجماهيرية، ولكن هذه المخالفات كانت عبارة عن تنبيه للمخالف بما ارتكبه من مخالفة فقط من أجل عدم تكرار ذلك مرة أخرى، بهدف رفع الوعي المروري لديه، دون تكدير خاطره بدفع مقابل مادي في فترة العيد، وللتأكيد على أن إدارة المرور لا تهدف من وراء المخالفات إلى جمع الأموال، وإنما لكبح جماح المخالفين الذين قد يتسببون بإيذاء أنفسهم وقد يتعدى الضرر لغيرهم أيضا، وهذه الحملة بلا شك حملة توعوية راقية وغير مسبوقة، وقد ترك تطبيقها ارتياحا كبيرا، ولعل القائمين عليها يسعون لتطويرها والتفكير بمبادرات تؤكد على نفس المعاني على مدار العام.