15 سبتمبر 2025
تسجيلإذا ذابت حرية الفرد في سلطان الحكم المطلق ، وشعر جمهور الأمة بالانزواء والانكماش أمام إرادة واحدة مكنتها الأقدار لخلل في الموازين من السيطرة والامتداد ، فالعالم في عصوره الأولى لم يسلم بل لم يخل من أولئك المستبدين الجبارين ، وقد كانت المسيحية كغيرها أو أشد تعرضاً لهذا اللون من الطغيان حتى إن الكنيسة التي تمثل الدين والتدين لم تسلم من هذا الطغيان منذ أن أوقدت النار بالمصلح الإسباني ( سرفتيوس ) بعد أن قرر القضاء ( الشامخ ) إحراقه سنة 1553 ، وتبادل رجال الدين والدنيا التهاني عقب إحراقه ، ولم تنته هذه المآسي وكان آخر هؤلاء الخارجين على سلطان الرب رائد علم الفلك الحديث ( كوبرنيكوس ) فقد وصف بأنه منجم مأفون مصاب بمس وهذا مذهب العاجزين عن الوقوف أمام سطوة الحق وسلطانه، منذ فرعون وحتى خاتم المرسلين إذا قالوا ساحر أو مجنون إما أن يعطى الحق لكل متسلط وأن يفرض على الأمة التي سلط عليها الدين الذي يراه هو ، هذا هو مذهب فرعوني قديم (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ )لكن احذروا أن يكون لكم رب سواي فأنا ربكم الأعلى ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين). حدث في العالم الإسلامي ما حدث في بلاد النصارى إذ أن الفساد السياسي لكي يسوق نفسه عند المسلمين لا بد أن يعتمد على رجال دين باعوا أنفسهم للشيطان( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) ثم (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ) وتمسحوا بذيل بغلة السلطان وحملوا له المباخر .إن شهوة الملق عند شيخ زائغ أوغل في الفساد من شهوة شرب الخمر وشهوة الزنى عند الشاب الطائش لأن فساد ذلك الزائغ المتمسح بالدين والأكل السحت أشد على الأمة ؛لأن فساد الشاب الطائش على نفسه لغلبة الهوى عليه .إن جنون العظمة وعبادة الذات التي تقود إلى الفرعنة وقسوة القلب يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وييتم أطفالهم ويهلك الحرث والنسل ( إنه كان من المفسدين ) .إن الاستعباد كان ولا يزال الغول الذي يأكل ويأكل ديننا ودنيانا فهل يأتي اليوم الذي نقتبس فيه بعض الأجزاء النبيلة التي فعلتها الأمم الأخرى عندما ابتليت بمثل مصابنا الذي لا نزال نحن فيه ؟ إن ديننا يقول " لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف فيها بحقه من القوي غير متعتع " فكيف يمكننا تحويل هذا الكلام الرائع الرائق إلى مواد دستورية ملزمة يقاضي فيها الحمال سعادة الوزير ؟ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إننا منتمون إلى الإسلام ومنكرون لكثير من مسلماته في وقت واحد منتمون له بالميراث وخارجون عليه بالعمل ، مادياً ودينياً . سلطان عضوض يعمل لنفسه ويعمل لله – يصلي ويصوم – يبدؤك بالسلام يجعل ذلك عطاء يداري به عامة المسلمين ويغطي على نهمته في الجاه والسلطان وسلب أموال العباد .الحق أن المسلمين ابتعدوا عن دينهم مسافات شاسعة وأن المكانة الهون التي انحدروا إليها ماهي إلا نتيجة لازمة لما فعلوا بأنفسهم ورسالتهم ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .إن تحريف الكلم عن مواضعه آفة أصابت وتصيب الأديان على امتداد الزمان ولهذا التحريف مظاهر ثلاثة : التأويلات الفاسدة والباطلة للنصوص والتي تحول اللص شريفاً والأمين لصاً والقاتل زعيماً والمقتول خارجياً .تعطيل العمل بعدد من الأوامر والنواهي مع توارث هذا التعطيل جيلاً بعد جيل حتى نشأ خلوف لا يرون الصواب إلا في هذا وكأنه قد نسخ الأمر وباد .التدخل في النص القطعي الإلهي بالزيادة عليه أو النقص منه اتباعاً للهوى وابتداعاً في الدين .إن هؤلاء السدنة وحملة المباخر لن يفلحوا لا عند الله ولا عند الناس فالناس العقلاء يحترمون أصحاب المبادئ والمواقف الحازمة الصحيحة .ماذا ينفع لرجل افاك مبين زين للظالم استبداده وظلمه وبطشه أن يدفن في مقابر الصالحين وقد كان سوطاً مسلطاً فوق رؤوس المستضعفين. ما قيمة أن يدفن الرجل في البقيع أو أن يدفن في مقبرة أحمد بن حنبل والجنيد البغدادي أو السيد الشاذلي وكان أيام حياته يكره الظل الذي يتبعهم .إن ناساً خالطوا الظلمة وباشروا الظلم ثم تراهم يفرحون إذا قيل لهم سنغسل أكفانكم ونغسلكم بماء زمزم وستدفنون في مقابر الصالحين ، إنهم يدفنون على ما ماتوا عليه أما علموا أن مساعد الظالم ظالم ؟ ({قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16)إننا نشكو إلى الله من أناس يخذلون الإسلام ويمالؤن أعداءه وقبله نشكو إلى الله أناساً متطفلين على هذا الدين قست قلوبهم على عباد الله وذهبوا بأنفسهم مذهباً مستعلياً فهم يرمون بالكفر والفسق كل من لا يوافق هواه أهواءهم والموعد هناك ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين