17 سبتمبر 2025
تسجيلمقدمة: بين يدي التعرُّف على سبب هذا الاختلاف الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فخالق الكون سبحانه وتعالى جعل له نواميس وسنن يسير عليها ، وأجْرى ذلك بنظام دقيق وتنظيم بديع ، وتري مظاهر الكون ، وكواكبه تسير بدقة عجيبة " قال تعالى:" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"يس/38-40 وهكذا كل الكائنات المكونة لهذا الكون " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ *ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِير"الملك/3-4 ثم أتي خليفة الله تعالى في أرضه " الإنسان" " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30 وكلفه خالقه بأنماط وألوان من العبادة ، يتجه بها نحوه T لينسجم مع باقي المخلوقات المسبحة له تبارك وتعالى وربط هذه العبادات ، بدوران الكواكب ، فالصلاة مربوطة بدوران الشمس " أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً *وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً"الإسراء/78-79 وربط الحج والصوم بالقمر" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ .."البقرة/189 " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَج"البقرة/197 وفي الصيام " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"البقرة/185 وفي الصحيح عن عبد بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله r: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه. فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما "فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". الحديث دليل وجوب صوم رمضان إذا ثبتت رؤية هلاله شرعاً، وأنه يجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا حال غيم أو نحوه دون رؤية هلال رمضان، وعلى وجوب إكمال رمضان ثلاثين يوماً إذا حال غيم أو نحوه دون هلال شوال؛ لأن الأصل بقاء الشهر، فلا يحكم بخروجه إلا بيقين، -كما كان الدخول فيه بيقين - وإذا رأى الهلال من يثبت بشهادته دخول الشهر أو خروجه ثبت الحكم. وينبغي أن يعنى بهلال شعبان حتى تعرف ليلة الثلاثين التي يتحرى فيها هلال رمضان. ويستكمل الشهر عند عدم الرؤية، لما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "أحصوا هلال شعبان لرمضان . . . الحديث". أي: اجتهدوا في إحصائه وضبطه، بأن تتحروا وتتراءوا منازله، لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان فلا يفوتكم منه شيء. فينبغي أن يجعل الناس عبادتهم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله. وقد أَقْسَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرَاً. قَالَت عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً أَعُدُّهُنَّ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: بَدَأَ بِي-.فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، وَإِنّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: اعْتَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ شَهْرَاً، فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ"، ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ ثَلاثَاً مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلِّهَا، وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا. وسبب الاختلاف بين الدول الاسلامية والعربية حول رؤية هلال رمضان فيما يأتي: لقد قرر الحديث الصحيح السابق أن ثبوت دخول رمضان والخروج منه إنما يكون برؤية الهلال يراه واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين. والسؤال الآن هل عند رؤية الهلال في بلد من بلدان العالم العربي والإسلامي يُلزم جميع المسلمين في شتى البقاع بالصيام أم أنه لأهل كل بلد رؤيتهم نظرا لتباعد البلدان ، واختلاف خطوط الطول والعرض بعدا وقربا بين بلدان العالم الإسلامي؟ الجواب للعلماء في ذلك مذهبان: أولهما : لأهل كل بلد رؤيتهم- نظرا لاختلاف خطوط الطول والعرض بعدا وقربا بين بلدان العالم الإسلامي - وهو ما نميل إليه - لحديث ابن عباس وفي صحيح مسلم ما يشهد له،عنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَىَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي اللهِ عنهما- ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ: مَتَىَ رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي وجها للشافعية. في مقابل هذا المذهب القائل بأن لأهل كل بلد رؤيتهم – ثانيهما: إذا رُؤِيَ ببلدة واحدة من بلدان العالم الإسلامي لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر – وهو من الموالك - الإجماع على خلافه. وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بَعُد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي – وهو مالكي المذهب - : قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نُقِل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم – أي عندما تكون هناك خلافة إسلامية جامعة لكل المسلمين - فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وأنَّى ذلك الآن في عالمنا المعاصر من القرن الحادي والعشرين وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان: لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي. من الملاحظ: أن سبب الاختلاف بين الدول الاسلامية والعربية حول رؤية هلال رمضان فيما يظهر من أقوال علماء المذاهب كما مر معنا في الرأيين السابقين 1-عدم وجود خلافة إسلامية جامعة للمسلمين قاطبة ، تأخذ بأيديهم ، وتتجه بهم نحو آفاق الوحدة في الشعائر ليتوحدوا فيما بينهم في المشاعر. ابن الماجشون 2-تباعد البلدان عن بعضها ، واختلاف خطوط الطول والعرض فيما بينها 3-تبقي مسألة النص في الحديث على الرؤية فهل من لم ير هل يأخذ برؤية من رأي ؟؟ أم لا ؟ ، وهل يتم قبول شهادة أهل منطقة رؤي فيها الهلال أم لا تقبل بل لا بُد من الرؤية ؟ تمسكا بنص الحديث كما مر فابن عباس – رضي الله عنهما – بالحجاز – لم يأخذ برؤية كُرَيْبٍ مولى – أمه - أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ عندما بَعَثَتْهُ إِلَىَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ – وثبتت الرؤية بالشام – دمشق عاصمة دولة الخلافة الأموية في ذلك الوقت رغم أن ابن عباس استوثق من الرؤية الشخصية لمولى أمه حيث قال له "قَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهاهو ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يتوقف في الأخذ برؤية وقعت في بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي ، وذلك خلال دولة الخلافة الواحدة تحت حكم الأمويين آنذاك ، ورغم أن الخليفة العام قد صام ، ويقول : لاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحديث في صحيح مسلم كتاب الصيام. باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم. فقد دل الحديث على أن الصوم أو الفطر لا يجب على البعيد عن مكان الرؤية إذا اختلفت المطالع؛ لأن الشرع علق الحكم بالرؤية. ولذا لم يأخذ حبر الأمة برؤية أهل الشام مع قيام دولة الخلافة الواحدة ، لأنه لم ير الهلال لا حقيقة ولا حكماً. وهذا وإن كان الخطاب في الحديث لجميع الأمة "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه." فالصوم والإفطار يكونان عند وجود السبب الذي هو الرؤية. فالذين يرون الهلال يلزمهم الصوم والإفطار لوجود سببه ، ومن لم تتحقق عندهم الرؤية فلا يلزمهم ذلك لتخلف سببه. المهم هو رؤية الهلال صغيرا كان أم كبيرا فلا اعتبار لكبر الهلال أو صغره وإنما العبرة برؤيته لما ثبت في الصحيح من حديث أَبِي الْبَخْتَرِيِّ - سعيد بن فيروز- قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءيْنَا الْهِلاَلَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمُ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَيُّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ". فقوله – صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " لم يقل فاسألوا أهل الحساب، الحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون حيث يدرك الرؤية والعدد الخاص والعام والجاهل والعالم فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم ولا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول الشهر ولا في خروجه؛ لأن النبي r علق الحكم بالرؤية لا بالحساب ، وهذا من يسر الشريعة، ولله الحمد.ثم إن حساب المنجمين لا يعرفه إلا القليل والشرع إنما يعرف بما يعرفه الجماهير. ثم إن الذين ذهبوا إلى القول بأن لأهل كل بلد رؤيتهم يقيسون ذلك على الصلاة فمواقيت الصلاة، مع مشروعية فريضة الصلاة على كافة الأمة ، في كافة أصقاع الأرض ، وإن اختلفت مطالع الشمس شروقا وغروبا ، والصلاة مربوطة بدوران الشمس لقوله تعالى "أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً"الإسراء/78 ولهذا ترانا في دول الخليج وأرض الجزيرة فقط ، تختلف مواقيت الصلاة ، عن بعضها البعض وفيما بينها وبين أرض الكنانة تجدنا هنا في الخليج أمسكنا عن الطعام والشراب وفرغنا من صلاة الفجر ، بينما الناس في أرض الكنانة لا يزالون يأكلون ، هذا مع التقارب بين خطوط الطول والعرض إلى حد ما ، فما بالك إذا ترامت الأطراف ، وامتدت فروق التوقيت ساعات وساعات ، بل في الدولة الواحدة قد تجد تباينا كبيرا بين مواقيت الصلاة ، مراعاة لفروق التوقيت والله أعلم. وعليه فلا اتفاق بين الدول في الصلاة ، حتى يُقال لماذا لا يتفقون على رؤية هلال رمضان كما يتفقون على الصلاة .فأين الاتفاق في الصلاة المزعوم في السؤال؟ أما عن الاتفاق في الحج فالكل لا محيد له عن اعتبار رؤية هلال ذي الحجة في السعودية ، لأن الحج مع كونه عبادة مرتبطة بالهلال والهلال يظهر عند الجميع كما في الأشهر الأخري إلا أنه عبادة مكانية ، محدودة محصورة في مهبط الوحي فعدم تعدد المشاعر المقدسة، وانحصارها في أرض الحرمين تم حسم الأمر والتزم الجميع بعرفات واحد ، ومطاف واحد ، ومسعى واحد ، ومنحر واحد ومبيت واحد.وميقات زماني واحد ، وبقي الميقات المكاني لاتساع وامتداد الكرة الأرضية ، وانتشار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده. وأحكام الزكاة ، خلت من تحكم البقعة الجغرافية ، فلا أثر لها في هذا المجال. لكن على القول بعدم كفاية وقوع الرؤية في بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي لتعميم العمل به في سائر البلدان نظرا لاختلاف المطالع ، من ناحية إضافة لآختلاف خطوط والعرض ، فإذا تقاربت لزم التعميم . فما هو ضابط البعد والقرب بين بلدان العالم الإسلامي في متابعة رؤية الهلال؟ الجواب : في ضبط ذلك البعد أوجه: أحدها : اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في " الروضة " و " شرح المهذب". ثانيها : مسافة القصر قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في " الصغير " والنووي في شرح مسلم". فعلى طول مسافة القصر تعتبر البلدان الواقعة خلال هذه المسافة متقاربة تجمعها رؤية واحدة وإلا فلا. ثالثها : اختلاف الأقاليم. رابعها : حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنها بلا عارض دون غيرهم. خامسها : قول ابن الماجشون المتقدم واستدل به على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وإن لم يثبت بقوله، وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم، واختلفوا في الفطر فقال الشافعي: يفطر ويخفيه. وقال الأكثر: يستمر صائما احتياطا. والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها. ماالحكمة في عدم الأخذ بالحساب الفلكي مع التقدم العلمي والتكنولوجي، أو حساب المنازل الذي يراه المنجمون ؟؟ والجواب متمثل في عدة نقاط كما يأتي : أولا: أن هذا الحساب لا يعرفه إلا أفراد الناس وآحادهم، والشرع إنما يَتَعَرَّف إلى الناس بما يعرفه جماهيرهم. ثانيا: اختلاف الأقاليم فيما بينها في مواقع المنازل مما يؤدي إلى اختلاف الصوم حيث يُرى في إقليم دون آخر. ثالثا: الصائمون إنما يُعَوِّلُون على طريق مقطوع به فلا يلزمهم ما يثبت عند غيرهم. رابعا: لو كان حساب النجوم والمنازل معتبرا لبينه الشرع كما بين للناس أوقات الصلاة والحج والزكاة وغيرها. خامسا: لو كُلِّف الناسُ ذلك لضاقَ عليهم وجلبَ لهم الشقة. سادسا: ثم إن القمر يُخالف الشمس فعلي حساب المنجمين يتقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية يوما أو يومين فيستحدث للناس سبب لم يشرعه الله تعالى. سابعا: المقصود بقوله تعالى" وعلامات وبالنجم هم يهتدون"، الاهتداء في طرق البر والبحر وقد ذكر البخاري في صحيحه تعليقا: قال قتادة خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها ؛ فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به "والمقصود به الاهتداء للتسيير لا للتأثير". ثامنا: ولكن إذا ثبت بالحساب طلوع الهلال من الأفق على نحو يُرى ، ومنع من الرؤية غيم مثلا ، فوجود الهلال سبب شرعي موجب للصوم ، إذ ليس حقيقة الرؤية الذاتية الشخصية شرطا في وجوب الصوم ، فالمحبوس في مطمورة أو في مكان يُحال بينه وبين النظر في الأفق والرؤية ، إذا علم أن اليوم من رمضان بطريقة أو بأخرى وجب عليه الصوم . هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخلل والخطأ في القول والعمل. اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأعنّا فيه على كل خير وبر وإحسان يا من إذا استعين أعان، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، واجعلنا فيه بحرمة وجهك الكريم من عتقائك من النيران وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد دائما وأبدا بدوامك ياذا الجود والإحسان.كل عام أنتم بخير.