10 سبتمبر 2025

تسجيل

مجلة الدوحة وأرشيفها والإرث الثقافي لقطر

22 مايو 2024

لفتت انتباهي في معرض الدوحة الدولي للكتاب العام الماضي أكثر من غيرها سفيرة عريقة قويّة غنيّة كانت قد عادت مجددا للحياة في قطر... وكنت قبلها قد وجدتها صدفة يوم أن رمقتها عيني وأنا أقل رحلة على طيران القطرية، سحبتها من رفّ في آخر المقصورة فضممتها إلى صدري وكأني أجد ضالة أبحث عنها منذ زمن.. خامرتني ذكريات جميلة لعهد ذهبي عاصرته دولة قطر.. أحسست وكأنني وجدت الكنز المفقود... فرحت بأن أجد قطريّة مثلي ولكنّها سفيرة وانا زوجة سفير! مجـــلّة (الدّوحــــــــة)!!! كان ذلك اللقاء الأول بعد الغياب الطويل عنها فوق السحاب قبل المؤامرة الكبرى على العالم والعلم والثقافة والصحّة والإنسان.. سيعود بكم الزمن قليلا إلى الوراء الجميل قبل تفشي فيروس كورونا وتحوّله إلى وباء عالمي، قبل اندثار جماليات ومعالم الورق والقراءة من الورق وجمال رائحة الورق... قبل تهويل انتقال الفيروس في الطائرات التي بتنا نركبها بالعوازل الكاملة وقتها ومنعت منها الصحف والمجلاّت خشية انتقال كورونا بين ما نتصفحه من يد إلى يد. (الدّوحـــــة) المــجلـّـة.. وجدتها مرّة واحدة فقط وفقدتها في ذات المرّة وكأنها النظرة العجلى أو المسروقة في قصائد الحبّ في العصر الأموي التي ليس بعدها لقاء............. وفقدنا على إثرها إرثا أدبيا ما كاد أن يطير حتّى قصّت أجنحته فعجز عن أن يتحوّل إلى نسخة سحابية فوق السحاب بعد الترويض والسياسات التي أملتها منظمة الصحة العالمية على السياسة والسكان والإنسان والعمران بل وعلى الثقافة والاطّلاع... رغم وجود أرشيفها الكترونيا في موقع وزارة الثقافة. فنجحت الخطّة المحكمة التي انسحبت علينا وعلى الثقافة رغم انوفنا بعد انحسار كورونا وأدّت إلى انحسار كلّ معالم القراءة والاطّلاع من الطائرات. في جناح وزارة الثقافة في معرض الكتاب العام الماضي التفت إلى المجلة وإلى الإرث ونحن شعبّ يؤمن وتؤمن حكومته بالإرث بل وينجح في تحويله إلى رسائل فنيّة وفكريّة وثقافيّة عبر الزمن. ومضيت اتصفح ذلك المجسم الجميل للمجلة وتلفّت بحثا عن مجلدات مطبوعة للدوحة من العدد الأول الذي صدر عام 1969 قبل وجودنا وعن نسخة مطبوعة لها قبل التوقف الأول المحزن عام 1986 في أوج قوّتها وانتشارها من الخليج إلى المحيط بل وفي المهجر. وقد عادت للصدور مجدّدا عام 2007 لجمهورها من المثقفين بفرحة كبيرة، ولكنها لم تستطع أن تحتفظ بذات القوة أو تحافظ على ثروتها من الأدباء والكتّاب المثقّفين وبما تستحقّه الموضوعات الغنيّة فيها تلك التي تختلف عن الربحيّة في غيرها التي ما فتئت تحشى بها اليوم كثير من إصدارات المطابع أو دور النشر. من المؤكّد أن أعداد مجلاّت (الدّوحة) التابعة لوزارة الثقافة قد حوّلت بأرشيفها التاريخي منذ العدد (1) إلى مجلدّات مطبوعة مثلها مثل مجلدات (الأمّة) التابعة لوزارة الأوقاف، ولكننا فقدنا حلقة التواصل مع أرشيفها المطبوع إلا من بعض نسخ مهترئة كانت في مكتبة آبائنا... ورّبما تكون نسخ من تلك المجلّدات محفوظة في المكتبات العامة التابعة للوزارة في مدن قطر، إلا أنها صعبة المنال لأن بنات الثقافة - مكتبات المدن- لم ترث شيئا وللأسف عن وزارتها خصوصا في تلك المواقع التي اختيرت لها وكأنها مخازن في حواري في فلل مستأجرة دون فنّ مكاني أو روحي في مواقع جوهريّة لها في مدنها ومصممّة بجلسات تتيح لروّاد الفكر الترددّ عليها كما المكتبات العامّة في الغرب وبما فيها من مكمّلات الفكر (المقاهي الثقافية) كما الدول العربيّة، وكما نجح نموذجها المصغّر الذي أدارته وزارتها في معرض الكتاب فدمج جماليات الفكر والأدب علما والهندسة المكانية والروحية فنّا، ورقمنه الأرشيف الذي ترجم نجاحا لنظم المكتبات في أحدث نسخها في معرض الدوحة الدولي 33 للكتاب. ولكن.. وأنا أبحث عن مجلداتها المطبوعة تذكّرت النظرة العجلى لها في الطائرة وكما فقد قيس ليلاه فقدت (الدوحة)!! هذه المرّة ليس في الطائرة بل في الأرض.!!! فتذكّرت النبأ الحزين الذي أعلنته على حسابها في (اكس) يونيو 2023: (نفيدكم بتوقف مجلة الدوحة عن الصدور اعتبارا من العدد (183) فبراير 2023 حتى اشعار آخر.) سمعت من يقول أنها: قد تعود.. ربما تعود.. ونقول «إشعار آخر» يعني أنها ستعود وقد تعود أقوى.... ولكن إلى أن تعود.. ألا يستحقّ إرثها الفكري ومادة مجلداتها التحوّل إلى إرث ثقافي وفني أيضا كذلك الذي صنع نموذج (سور الأزبكيّة) في النسخة 33 من معرض الكتاب خصوصا وان (الدوحة) المجلّة شكّلت مع نظيراتها من العربي وغيرها إشعاعا فكريّا لجيل امتد أثره إلى يومنا هذا.. نترقب ذلك في «عودة الروح» للدوحة وإرثها في النسخة «34».