15 سبتمبر 2025

تسجيل

(شغل واجد زين)

22 مايو 2022

قرر بوراشد ان يقوم بعمل صيانة شاملة لمجلس بيته الذي مر عليه اكثر من عشر سنوات، والذي بدأت تظهر عليه علامات الشيخوخة المعمارية، فبدأ في استشارة اصدقائه وأقربائه للوصول الى افضل شركة او مؤسسة للقيام بهذا العمل، وبالفعل تواصل مع بعض هذه المؤسسات والتي زارت موقع العمل وقدمت له عروض أسعار تفاوتت أسعارها بين غلاء فاحش وأسعار مرتفعة، فنصحه احد الأصدقاء بأن يتعامل مع العمالة السائبة حيث ان فيهم عمالا وفنيين مهرة واسعارهم في متناول اليد، "ولم يكذب بوراشد خبرا" كما يقال، وبدأ فعلا بالبحث عمن يستطيع القيام بهذه الاعمال بمهارة وحرفية وبسعر رخيص او مناسب. وبعد البحث والسؤال توصل الى رقم هاتف احدهم ويدعى "ابومياه" وهو من الجنسية الاسيوية وقام بالاتصال فيه في الحال، رد "ابومياه" على اتصال بوراشد قائلا "الو سلامو اليكم"، رد بوراشد "سلامو عليكم مدير كيف الحال" رد ابومياه "الحمدلله مدير منو كلام" رد بوراشد "انا بوراشد انا جيب رقم من رفيق مال انا بومحمد، هو كلام انته شغل واجد زين، انا يبغي شغل مال جبس وصبغ داخل مجلس مال انا "، وقبل ان استمر في سرد ما دار بين "بوراشد وابومياه" اريد ان انوه القارئ العزيز ان هذا الأسلوب او الطريقة في التخاطب منتشرة في مجتمعنا للتفاهم مع العمالة غير العربية والتي للأسف أساءت الى لغتنا العربية. ونعود لبوراشد والعامل الاسيوي، فقد تم الاتفاق بينهما بعد معاينة موقع العمل على ان يقوم الأخير بعمل جميع الاعمال المطلوبة في مدة زمنية معينة وبسعر مناسب جدا لميزانية بوراشد، وقد اكد "ابومياه" اكثر من مرة على ان "شغله واجد زين" أي انه سيقوم بأداء الاعمال المطلوبة على اكمل وجه. بعد ان تم الاتفاق طلب "ابومياه" من بوراشد دفع نصف المبلغ المتفق عليه مقدما وان يتم دفع باقي المبلغ على دفعتين، وبالفعل اسرع بوراشد بدفع المبلغ لابومياه والذي تبسم ابتسامة جميلة قال بعدها "مدير شغل مال انا خلاص بعدين انته معلوم شغل ابومياه واجد زين" رد بوراشد "يصير خير والله ما يندرى بك". في صبيحة اليوم التالي حضر "ابومياه" باكرا وانزل بعض المواد وترك عاملين في موقع العمل للبدء في اعمال الصيانة والترميم. والآن عزيزي القارئ هناك اكثر من سيناريو يمكن ان نكمل بها قصتنا، فمن الممكن ان ينجز "ابومياه" عمله على اكمل وجه ويقدم كما كان دائما يردد "شغل واجد زين"، ومن الممكن ان يتأخر ويماطل ويقدم عملا لا يساوي قيمة المبلغ المتفق عليه، وهناك سيناريو اخر ان يختفي "ابومياه" دون انهاء العمل وتكون النتيجة ان يقوم بوراشد بالبحث عنه دون جدوى مما يضطره الى التعاقد مع شخص اخر ودفع مبالغ أخرى. ومما سبق فإن هناك الكثير من التساؤلات التي تدور في ذهني وأتمنى ان اجد إجابات لها، وأول هذه التساؤولات لماذا هناك ما يسمى بالعمالة السالبة؟ وما أسباب وجودهم في الأصل؟ وهل يشكلون خطرا على المجتمع؟ ام انهم ضحايا لجشع وطمع من يتاجر بحاجتهم للعمل؟ وما دور المواطن والمقيم في التعامل مع هذه الفئة التي فرضت نفسها في مجتمعنا شئنا ام ابينا؟ وهل هناك آلية قانونية عند التعامل معهم تكفل حقوق جميع الأطراف؟. وختاما أقول: ونحن على عتبات نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين وما زالت ظاهرة العمالة السائبة متفشية ومستمرة في بلدنا الحبيب، وبالرغم من أن هناك قوانين وتشريعات تحكم وتقنن تواجد هذه العمالة داخل البلد لكن للأسف الشديد لا نراها فعالة او مفعلة لمحاسبة المتسببين والمستفيدين من وراء استمرار وجودهم، وباعتقادي ان الحل الأنسب لتصحيح أوضاع هؤلاء لا يكون بمطاردتهم وتعقبهم فقط، وإنما بالرقابة والتفتيش المستمر على الشركات وحتى المواطنين الذين يملكون عددا كبيرا من العمالة على كفالتهم ويتركونهم يعملون لدى الغير من دون غطاء قانوني يحفظ لهم حقوقهم وحقوق من يتعاملون معهم. وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل وزارة الداخلية في مواجهة هذه الجريمة وذلك عبر البحث والتحري عن الذين ينشئون شركات وهمية لهذا الغرض، وتطبيق القانون رقم (21) لسنة 2015 الخاص بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، والذي حدد عقوبة الاتجار بالتأشيرات من خلال الشركات الوهمية والتي تصل للحبس ثلاث سنوات وبالغرامة التي لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين ومضاعفة العقوبة عند القيام بنفس الفعل مرة أخرى، الا ان مسلسل العمالة السائبة ما زال مستمرا.