14 سبتمبر 2025
تسجيللم تشهد منطقةُ الخليج العربي نشاطاتٍ عسكرية أمريكية ملحوظة، منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، مثلما يحدث هذه الأيام! فلقد حرّكت الولايات المتحدة جيوشَها وآلاتِها الحربية نحو داخل الخليج العربي، بشكلٍ مُكثّف، كما أوصلت طائراتِها الضخمة إلى المنطقة، دونما إشارة واضحة إلى هدف المُهمة العسكرية التي ستؤديها هذه القوات، والتي ستنضّمُ إلى القوات الموجودة أصلًا في المنطقة. وبدأ التلاسن الإعلامي منذ فترة بين واشنطن وطهران، ما أدى إلى تحريك تلك القوات. فقد أعلن القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي أن الجمهورية الإسلامية اليوم في ذروة المواجهة الشاملة مع الأعداء، وأضاف أن أعداءنا – من خلال انتهاج استراتيجية ممارسة أقصى قدرٍ من الضغوط وتجنيد كُلِّ طاقاتهم – يحاولون إرباكَ الرأي العام، وتحطيمَ صمود الشعب الإيراني، لكنهم لا يدركون أن الهدوء والأمن وكرامة وعزّة الشعب الإيراني، رهنٌ بساحات المقاومة والصمود والشجاعة، وسيبوء الأعداء بالفشل في هذا المجال. وكان موقع استخباراتي إسرائيلي قد أفاد أن حراك واشنطن لتعزيز قواتها في الشرق الأوسط يهدف لصدِّ هجوم إيراني عراقي مُحتمل على قاعدتها في (التنف) بسوريا والردّ عليه. وربَط الموقع تهديدات سابقة من «عصائب أهل الحق» العراقية، بأنها تستعد لمهاجمة القاعدة الأمريكية في (التنف) الواقعة عند مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية. وأشار موقع (ديبكا) أن إيران زوّدت «عصائب أهل الحق» بصواريخ بالستية من نوع (فاتح – ذو الفقار) وهي قادرة على استهداف مواقع أمريكية أخرى في الشرق الأوسط، في حال فشلت خطةُ مهاجمة (التنف) أو تم إلغاؤها!. ولكنَّ الموقعَ المذكور استبعد أن تكون التحركات الأمريكية في منطقة الخليج العربي، تعني بالضرورة صداماً عسكرياً وشيكاً مع إيران، وأن كلاً من واشنطن وطهران «تلعبان على عنصر الوقت، وأن هذا التكتيك، يفسح لهما المجال لاستعراض القوة واستخدام لغة التهديدات المُتبادلة». وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد نقل إلى القادة العراقيين في الثامن من مايو الحالي، رسائلَ تحذير من أي هجوم إيراني على أهداف أمريكية، أو أهدافٍ تَخصّ حلفاءَ واشنطن، في الشرق الأوسط، وأنه في حال تم الهجوم، فإنه سيُقابل بهجوم أمريكي ضار ضد أهداف داخل إيران. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن أن بلاده بصدد الانسحاب من الاتفاق النووي المُوقع مع الغرب في يوليو 2015، وأنه منح بلاده فرصة حتى يوليو المقبل 2019. وألمح الموقع المذكور أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه رسالة لإيران، بأنه لن يُمكّنها من استغلال الفترة المقبلة للتجهيز لاستئناف أنشطتها النووية. ما يتم تداوله هذه الأيام، أنه لا توجد نيّة لدى الطرفين (الأمريكي والإيراني) للوصول إلى مرحلة الحرب. فأمريكا لديها صراع طويل مع إيران، وهي تعمد بألا تُنهيه في المستقبل المنظور، وذلك بحُجة تدخل إيران في شؤون حلفائها في المنطقة، وأنها تريد أن تُعدّل الاتفاق النووي من جهة واحدة، كي تسد الطريق على إيران وكفها عن إنتاج السلاح النووي. إيران بطبيعة الحال، ترفض الإملاءات الأمريكية وتعلن أنها مع الاتفاق النووي المبرم، يدعمها في ذلك بعضُ الدول الأوروبية وروسيا. الولايات المتحدة تراهن على أنها في النهاية سوف تكسب معركة الرهان، وستخضع إيران لما تريده. بعض المحللين يرون أن الحشود الأمريكية في مياه الخليج العربي، ما هي إلا جزء من استعراض القوة، وتمهيد أوليّ لتمرير صفقة القرن التي تشارك فيها إسرائيل وبعض الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وبذلك تكون المظلة العسكرية الأمريكية هي الدرع الواقي من أية تدخلات خارجية، حتى لو كانت إيرانية! مع أن ثمنَ هذا الدرع سيكون باهظًا، وسيكون من خزائن دول المنطقة. الطرفان «الولايات المتحدة وإيران» أعلنا أنهما ليسا بصدد حرب جديدة في المنطقة. السؤال هنا: لماذا إذن كل هذه القوات المحتشدة في مياه الخليج؟! ذلك أن استعراض القوة يُمكن أن يكون عبر بيانات استخباراتية وصور عبر الإنترنت، وبدون تكلفة، وهي كفيلة بإقناع الطرف الآخر! ذلك أن تكلفة تحريك كل تلك الآليات والقوات يتطلب ثمنًا كبيرًا، وقد لا يرضى دفعه دافع الضرائب الأمريكي!. محللون يرون أن أمريكا لن تستطيع الصمود في وجه الانتشار الإيراني في المنطقة، وقدرة إيران على الوصول إلى أهداف بعيدة – عبر الصواريخ الباليستية – حتى تل أبيب، ويرون أنه إذا ما انطلقت شرارة الحرب الأولى، فإنها ستكون أقسى من أهوال حرب فيتنام، وهذا ما سوف يستنزف الموارد الأمريكية وموارد حلفائها، وبالتالي سوف يتوقف تصدير النفط من المنطقة، ولذلك نتائج كارثية على الغرب والولايات المتحدة. سؤال آخر: إذا كانت إيران تشترط رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه، فهل يتدخل الكونغرس كي يُطالب الرئيس ترامب بتخفيف حدته، والجلوس مع الإيرانيين على الطاولة، في مقابل تجنّب حرب مُدمرة في المنطقة؟. (وعلى فكرة ما زال الرئيس الأمريكي يُردِّد في مقابلاته بأن نفط العراق للولايات المتحدة، وأنه سيُبقي القوات في العراق عند مصافي النفط، كي يأخذ منها ما يشاء!). بعضُ المحللين يرون أن حاملات الطائرات الأمريكية وقاذفات ( B- 52) وغيرها من آلة الحرب الأمريكية لم ترهب إيران، وبالتالي أصبح ترامب يبحث عن سُلّم للنزول من الشجرة العالية التي صعد إليها». ويربط المحللون موقفَ ترامب من إيران، بموقفه من كوريا الشمالية، عندما قبل الرجل بعقد قمتين مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج إون، ولم يحصل الأول على أية تنازلات من غريمه. عرب الخليج، كما تدلل حوادث التاريخ، سوف يدفعون تكاليف حرب، هم في غنى عنها، ولقد بدت بوادر ذلك، في الصفقة التي أدارها الرئيس ترامب مع السعودية في العام الماضي، وهو يعلن في كل مناسبة، أن السعودية دولة غنية وعليها أن تدفع تكاليف الحماية، وإذا كان غزو العراق عام 2003 قد كلف الخزانة الأمريكية أكثر من سبعة تريليونات دولار، فإن الحرب الجديدة، التي يقرع ترامب طبولَها ستفوق تكاليفُها ذاك المبلغَ بكثير. أما أغرب خبر تناولته وكالات الأنباء خلال الأسبوع الماضي فيقول: «وافقت السعودية وعدد من الدول الخليجية على طلب الولايات المتحدة إعادة نشر قواتها العسكرية في مياه الخليج، وعلى أراضي دولٍ خليجية»!؟. الغرابة في هذا الخبر، أنه يأتي في ظل واقع مُعاش يتجلّى في وجود القوات الأمريكية في عدد من دول المنطقة وفي مياه الخليج!. المغزى: هل تحتاج الولايات المتحدة إلى إذن لنشر قواتها، وهي منشورة أصلًا؟! عبارة مرّت على كثير من الإعلاميين والمحللين الذي لم يتوقفوا عندها، وما يؤيد وجهة النظر القائلة بأن الولايات المتحدة قد أخذت قواتها إلى «نزهة» في مياه الخليج، أن مسؤولين أمريكيين قد أعلنوا أنه لا توجد خطة فعلية للتنفيذ في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية قد حثّت شركات الطيران الأمريكية التي تُسيّر رحلاتها فوق الخليج العربي، على أخذ الحيطة، نظرًا لازدياد التوترات والأنشطة العسكرية في المنطقة، حسب (الواشنطن بوست)، وأعادت وكالة الأناضول التركية، حادثة إسقاط طائرة إيرانية مدنية كانت متوجهة من طهران إلى دبي، من قبل السفينة الحربية الأمريكية (USS Vincennes) خلال حرب الخليج الأولى عام 1988. وقبل يومين دعا الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى عقد قمة خليجية وأخرى عربية عشية عقد القمة الإسلامية في مكة المكرمة! وذلك في نهاية الشهر. يتساءل أهل الخليج: ما هو جدوى القمة الخليجية في ظل تشقق مجلس التعاون؟! وهذا ما سنتناوله في المقال التالي. [email protected]