19 سبتمبر 2025
تسجيلكنت في المجلس مع الوالد وبعض اهل الريان كالعادة بعد صلاة العصر، حيث كنا نجلس للقهوة والحديث كأبناء فريج واحد، إلا أن اليوم كان مختلفا إنه الخامس من حزيران عام 67، وكانت مهمتي الذهاب بين حين وآخر للاستماع الى الاخبار من المذياع الكبير ذي البطارية الزرقاء الضخمة خلفه والعودة الى المجلس لإخبارهم عن تطورات الحرب كما كنا نعتقد أولا. بينما هي في الحقيقة ضربة جوية قاصمة انتهت المعركة في الساعات الأولى، وفي كل مرة أخبرهم بعدد الطائرات التي أسقطت لإسرائيل، وأسمع كلمة «بعَدي» أي أحسنت من الجالسين. واستمر الوضع حتى انفض المجلس قبيل المغرب، لنكتشف في اليوم التالي هزيمة بحجم الجبال الراسية. كان المد القومي الناصري من القوة بحيث وحد الاجيال، فكبار السن كانوا أكثر حماسا من الشباب والصغار، لا زلت أذكر الشاعر القطري الشعبي الكبير سعيد بن المحرول وهو يبكي الهزيمة، وعبدالناصر بعد ذلك، والمرحوم سالم بن علي المحشادي وهو يرفض الهزيمة والمطروشي صالح وهو يكذب الاخبار من شدة إيمانه بالعروبة التي لا تُهزم. هؤلاء كانوا بعض رواد مجلس الوالد -رحمهم الله جميعا- وفي المساء نجتمع على دكة المرحوم بإذن الله ثامر بن علي آل إبراهيم المعاضيد عضو مجلس الشورى ورئيس بلدية الريان لاحقاً نستمع الى الاخبار، من كان في سني كان فقط مستمعاً. كان هناك رفض للهزيمة حيث الهزيمة في وعي ذلك الجيل هي هزيمة الإرادة، كانت الاحوال الاقتصادية متواضعة جدا، لكن كانت الحياة تقوم على المعنى أكثر من المادة، كانت الحياة تعني الوطن العربي وليس الفردية او المناطقية الضيقة، تفاعل اهل الريان مع الهزيمة بطريقة وطنية بعيدا عن أي ايديولوجيا او تأنيب ضمير، وتطوع العديد منهم للذهاب للقتال مع صفوف المقاومة. أذكر منهم الاخ فالح زويران الدوسري والاخ محسن سعيد السبيعي، كنت في صيف الانتقال من الابتدائية الى الاعدادية، حيث قامت بعد ذلك حرب الاستنزاف التي ارهقت اسرائيل حتى عام 69 وطلبت اسرائيل الهدنة، لعلنا نعي ان التاريخ لا يؤخذ كله ولا يُترك كله، لو راكمنا على ما أنتجه ذلك العصر من إيجابيات وتركنا السلبيات لما فقدنا التراكم اللازم للتطور، نحن أمة لا تعرف التراكم بقدر ما تجيد البتر، وليته مع السلبيات فقط وتعظيم الإيجابيات وانما مع التاريخ بأكمله لنعود لنبدأ من جديد من الصفر. [email protected]