20 سبتمبر 2025
تسجيلينطلق نظامنا التعليمي من أبوية واضحة لا تريده أن يخرج عن إطارها وعن أجوبة مسبقة يدفع إليها الطلاب دفعا، تتحول معه دراسة التاريخ إلى «تأريخ» موجه، ودراسة السياسة إلى «تسييس» ممنهج. لذلك يتخرج أجيال لا تحتمل العلم وإنما تتعلق بالأيديولوجيا، نتكلم عن المنهج والمنهج ليس سوى طريقة في حين أن ما خلف المنهج عقيدة غير علمية وإنما تاريخية منقبضة صارمة، ليس المطلوب البحث إلا في إطارها والمثقف ليس سوى أحد تجلياتها، ليس هناك أفق مفتوح للتفكير خارجها يجعل من المثقف حالة من الحراك والبحث المستمر. هرول «فوكو» إلى إيران بعد ثورة الخميني باحثا عن فكرة جديدة تتفجر هنا وهناك، النظام التعليمي الحيوي هو ذلك النظام الذي يخرج طالبا لا يقف أمام تفكيره وأبحاثه وتطلعاته أُفق. يضع المسؤولون عن النظام التعليمي أهواءهم في أسئلة الامتحانات، وتضع الدولة رغبتها، ويضع النظام ما يستحسنه ويحافظ عليه وعلى بقائه ويُطلب من الطالب أن يجيب على أسئلة حددت إجاباتها مسبقة. فيدرس الطالب مثلا أن سبب سقوط الاتحاد السوفيتي السابق بسبب أنه «ملحد» وتطرح جميع المواد بما فيها العلمية البحتة من خلال الدين أو انطلاقا من الدين ويبحث في النص الديني عن الإنجاز العلمي وليس في المختبر، وإن هذا العالم ملحد فاجتنبوه، يتم نسف جميع الأحداث التاريخية والسياسية. وأذكر أننا تخرجنا من قسم علم الاجتماع دون أن ندرس أو نمر على النظرية الماركسيه كأداة تحليل ولو بإيجاز وهي من أهم نظريات التغير الاجتماعي على اعتبار أنها إلحاد وهي لا تزال فاعلة إلى اليوم وغدٍ وبعد غدٍ، فإذا سئلت عن ماركس مطلوب منك أن تجيب عن عمر بن الخطاب، وإذا سئلت عن المقاومة مطلوب منك أن تتحدث عن حزب الله مثلا، وإذا سئلت عن الوطن عليك أن تتحدث عن النظام الحاكم فيه، يبدأ النظام التعليمي مجالا للعلم لكن لا يلبث أن يتدثر بالدين وبالقبيلة وبالطائفية، لذلك لا المختبر ينفع ولا النظرية تتطور، ولذلك هناك أجوبة أكثر من الأسئلة، فتصبح الامتحانات مادة دسمة على دوغمايتها للانتقاء في مجتمعات الاصطفاف دون أي أسئلة عن سبب ذلك، ويصبح الجواب هو هدف النظام التعليمي وليس إثارة السؤال الذي يبدأ معه المنهج العلمي. سألت أحد الإخوان المهتمين على ما يبدو بالتاريخ عن مصادره العلمية حول تاريخ قطر فانطلق يحدثني بإسهاب عن «العرضات» السنوية في اليوم الوطني كمصدر ومرجعية. [email protected]