23 سبتمبر 2025

تسجيل

الإشعاع المعرفي..وتحديّات الحصار

22 أبريل 2018

صرح ثقافيّ معرفيّ مُبهر تزامن افتتاحه في توقيت دقيق وصعب، لكنه يبقى سهلا في فكر من يُؤْمِن بأن نبع الثقافة والمعرفة والعلم لا ينضب ولو دُكّت أمامه أسوار من حديد لأنهما يخاطبان العقل، ومصاحبان للفكر، ولا يمكن لأي قوة مهما ملكت من عداد وعدة أن تفصل الانسان أو المجتمع عن ثقافته، فمن كان يعتقد وقطر تعيش ظروفها الحالية مع دول الحصار الجائرة بكل عدته الارهاصية السياسية والإعلامية أن يتمخّض هذا الحصار عن افتتاح مكتبة قطر الوطنية التي تعتبر من أكبر المكتبات العالمية الحديثة، ونقلة كبيرة في عالم المعرفة والمعلومات،،والتي أعلن عن خطط التأسيس لها في 29 نوفمبر 1912 تحت مظلة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، انها التحديات الحياتية التي تحول الحلم الى حقيقة، والمحن الى منح، والارادة الى معجزة، مادام هناك هدف وأمل وطموح من أجل إيجاد مجتمع دعاماته الثقافة ونشرها، والمعرفة وابداعاتها، وما دام هناك فكر يخطط، وأياد تعمل لتنفذ. …لقد كسرت قطر الحصار بغزوها الثقافي، وفتحت فضاءها المعرفي، لتجمع بين ردهات المكتبة الوطنية ورفوفها من النصوص والمخطوطات النادرة المرتبطة بتاريخ وارث الحضارة العربية والاسلامية لتكون منارة لرّوادها من العلماء والباحثين وطلبة العلم ليس على المستوى الداخلي بل العالمي، وليس ذلك غريبا فهو نهج الحضارات العربية والاسلامية التي اجتهدت ومنذ نشأتها على الاهتمام، أولا ببناء المكتبات العامة وترجمة ما توصلت اليه ما سبقها من حضارات في مختلف العلوم والفنون، لتكون حصنا في مواجهة الجهل، وإرثا فكريا خالدا تتوارثه الشعوب، وبسبب الحروب مع الدول المجاورة دكّت المكتبات على عروشها، وحُرقت بمحتوياتها، وبإرقام عددية مذهلة من الكتب والمخطوطات التي كانت تحتويها، كمكتبة بيت الحكمة في العراق ومكتبة دار العلم في لبنان، ومكتبة دار الحكمة في مصر، ومكتبة قرطبة في الأندلس، وتلك هي سياسة العدو القضاء على التراث العربي والثقافة الاسلامية، لذلك فإن المكتبة الوطنية تعتبر غزوا فكريا وثقافيا لبناء منصّة معرفية شاملة من المخطوطات والنصوص والموروثات التي بلغت محتوياتها وبرغم عددي مبهر أكثر من مليون كتاب تشمله أرففها في زمن التحّدي لخلق مجتمع تنويري متقدم يرتقي بأبنائه بارتقاء الاهتمام بالثقافة والمعرفة، وقد أكدت سمو الشيخة موزا في كلمتها عند افتتاح المكتبة " بأن المكتبة أمست كيانا ديناميا يصنع حراكا ثقافيا مجتمعيا واسعا، ويثري الحوار المعرفي، وينمي العقل والخيال الإبداعي." … جولة مع محتويات المكتبة وتقسيماتها الهندسية المتميزة التي جاءت جميعها بمواصفات عالية الجودة وابتكارات تكنولوجية كنظام الفرز الآلي، وشاشات الوسائط التفاعلية ومحطات الاستعارة والإعادة التلقائية، يؤكد الحراك الثقافي الذي تهدف منه الدولة لبناء الانسان الباحث والمتعلم والمثقف لرؤية مستقبلية تنموية، بأسهل الطرق في الحصول على المعلومات والمعارف والترجمات والمخطوطات وغيرها، كما هو الحراك الثقافي والفني والتراثي الذي تشهده أرض كتارا سنويا في فعالياتها ومناشطها المختلفة، ومسرح قطر الوطني ومتاحف قطر، وكأنما جاءت الأزمة بمثابة انعكاس لردود أفعال نشطت بريقها على الواقع معلنة الإصرار والتحدي والارادة لكسر حاجز الحصار وقنواته من خلال نشر الثقافة والمعرفة، كما هو انعكاس هذا الحراك على المجالات الاقتصادية والرياضية والاجتماعية والتجارية وخلق روح من الابتكار والابداع على المواطن القطري بدعم من القيادة. ليصبح الحصار في أذهاننا مصطلحا وليس واقعا. ….لاحظ بعض من حُظي بالدعوة لحضور الافتتاح ومن مثقفي المجتمع غياب الثقافة المجتمعية وتهميش دورها في حضور مراسم الافتتاح، الذي يجب أن يفّعل دورهم في مثل تلك المناسبة الثقافية الكبيرة لأنهم جزء تكميلّي للثقافة، ويمثلون الوجه الثقافي للدولة، بالمشاركة والحضور وإبداء الرأي، خاصة أن الحضور الخارجي ارتفع سقفه، كما هو الحضور للجهات الرسمية التي ليس لها أي علاقة بالثقافة، فغياب المثقف دليل غياب الوعي بأهمية تواجده، فلا تخلو الدولة من أبنائها المساهمين في ثقافتها في المجالات الفكرية والأدبية والإعلامية، ولهم دور إنتاجي كبير في أغلب المناسبات والمواقف وقد أبرز الحصار الكثير من المثقفين واصحاب الرأي بالمشاركة السياسية الاعلامية، هذا الغياب للمثقف في مثل هذا المحفل الثقافي. يذكرني بالمؤتمرات التعليمية والعلمية والتربوية التي تعقد تحت مظلة وزارة التعليم والتعليم العالي، أو جامعة قطر في غياب الكثير والكثير ممن لهم صلة بالتعليم وبناء أساسياته كنوع من التقدير والاحترام لعطائهم وإنتاجهم والاستفادة منهم بالرأي، وكما هي المؤتمرات الاعلامية التى يهمش ويقلص فيها دور المتخصصين في هذا المجال ومن لهم أثر إعلامي إنتاجي حاليا أو مسبقا بالمشاركة والحضور، وأكدّ الكاتب عبد العزيز الخاطر في مقاله عن افتتاح مكتبة قطر الوطنية حضور الدولة وغياب الثقافة، من واقع لمسه بغياب الرموز الثقافية، ومن يُمثّل ثقافة المجتمع في هذا المحفل الثقافي، واستشعر بحالة من الانفصال بين الثقافة الرسمية وثقافة المجتمع، وتساءل هل يعقل بعد نصف قرن من التعليم ألا يوجد من يمثل ثقافتنا في مثل هذا المحفل!! وهل عجزت وزارة الثقافة عن ترشيح شخصية قطرية تمثل ثقافة المجتمع ليكون لها دور فعال في المشاركة!! وغيرها من الأسئلة التي وجهها الكاتب لأصحاب الشأن،، ونحن نرى تهميش دور ذوي الاختصاص في مجالاتهم من حضور المحافل والفعاليات والمؤتمرات التي تحاكي تخصصاتهم وعلى جميع المستويات. وتبقى المكتبة الوطنية إرثا ومنارة ثقافية مواكبة للحضارة الثقافية والإرث التاريخي تضئ أمام روادها ومضات المعرفة والعلم والثقافة والفن باختلاف مصادرها.