14 سبتمبر 2025
تسجيلربما تمُتزج المجاملة بالنفاق الاجتماعي من خلال التصور الذي ينبني في بعض الأحيان على فرضيات قد تجانب الواقع، سواء من خلال التسرع في الحكم أو عبر تصوير المجاملة وإدراجها في خانة النفاق الاجتماعي، أو العكس من ذلك، وتسهيل تمرير التصور للنفاق الاجتماعي على أنه مجاملة، وفي واقع الأمر فإن التشابه بين الصفتين من حيث الشكل لا المضمون يسهم في خلط الحابل بالنابل بهذا الخصوص، إذ إن تلك الصفتين وهي المجاملة المحمودة والنفاق والمذموم تنبع ولا ريب من النية في إتيان هذه الصفة أو تلك فقد يجلد المجامل ذاته، حينما يتوجس من نظرة الآخرين له وفقا لهذا المنظور، وقد يختبئ المنافق خلف المجاملة لتحقيق مآربه النفعية عبر الاستجداء المبطن وهو في قرارة نفسه يدرك أن المعبر الرئيسي لتحقيق منافعه سيتم من خلال استدرار العواطف واستمالة المشاعر والعبث في مسارها، وهكذا تحاصر المجاملة الرقيقة الجميلة ويتضاءل تداولها وفقا لنظرات التوجس المريبة من قبل الآخرين، غير أن ما يعزز من فرص حضورها الأخاذ هي الثقة بالنفس عطفا على النية السليمة الصادقة، وطالما أن من يمتهن النفاق الاجتماعي ويتسلق على هذا النحو البائس، لا يلحق مضرة للآخرين من حسد وغيبة ونميمة وغير ذلك وإنما منفعة شخصية له، فإن ذلك بلا ريب أخف وطأة، ممن يعلم بأن نفاقه سيتسبب في إلحاق المضرة للآخرين، وهذا الأمر يعود بالتالي إلى ضميره الذي يحاسبه لحظة بلحظة ومرافقا له كظله، وتسهم الثقافة وزيادة المعرفة في تحجيم بعض السلوكيات غير المرغوبة، ذلك أن المرء كلما اتسع اطلاعه وزادت معرفته كلما كان قريبا من تشخيص المواقف بدقة وتحديد السلوك النبيل بصيغة يظللها الاحترام، ويعتبر الاعتدال في التعاطي مع هذه الأمور فرس الرهان، إذ إن الاعتدال، يبعث على الارتياح ليحلق الاتزان بالنفس ويبلغ آفاق الاطمئنان الملهم لكل تصرف جميل لبق، ومن ضمن الحواجز المقلقة ربط الضعف بالمجاملة، وهذا الربط المجانب للصواب، فضلا عن خلخلته للمسار الموضوعي المتزن، فإنه قد يجلب في معيته، أموراً ليست محببة كالقسوة والجفاء، فقد يعزو البعض إظهار الاحترام من موظف لرئيسه، أو طالب لمعلمه، أو مريض لطبيبه، إنما هو ناتج ضعف لتتسربل هذه المنغصات تحت هذا الغطاء الوهمي في حين أن احترام العقل والتأسيس للإرادة المستقلة سيلفظان تراكمات الجهل السلبية والتي ما برحت تحاصر الأطر الجميلة الخلاقة، فعسر الحق أوجب من يسر الظلم وتحري القسط أجدر من التغاضي عن دفع العدوان أيا كان شكله وصفته، وأكاد أجزم بأن حقوقا كثيرة تضيع أو تسلب طبقا للخلط بين مفهوم المجاملة والنفاق وجدير كذلك تفعيل ثقافة الحقوق والواجبات وتعزيز الجانب الحاضن لرقي الفكر والسلوك من خلال المحافظة على المكتسبات بطريقة جميلة فذة تؤطرها المجاملة الرقيقة، وعلى صعيد ذي صلة فإن المبالغة توقع الإنسان في حرج هو في غنى عنه وستدرجه تلقائيا في خانة هو في الواقع لا يقبلها أو يرتضيها، فيما تتعثر السيطرة على التصور، حيث إن الناس يحكمون بالظاهر، ولا يعلم ما في السرائر إلا علام الغيوب، لذا فإن مراعاة هذه الجوانب يجب أن تؤخذ بالاعتبار، والمبالغة تتواجد في هذا التنافس لتضخ المزيد من وقودها لاسيَّما في حالة المنافق وأذكر طرفة بهذه المناسبة وترتبط بالمبالغة، إذ قال الابن الصغير لأخيه الكبير: شفت فار كبر الفيل، فأجابه معاتباً: أنا قلت لك ستين مليون مرة لا تبالغ.