12 سبتمبر 2025
تسجيللم يعد بالإمكان تجاهل ما يعتري المشهد الإسلامي في مصر من صراعات علنية حادة، كما لم يعد مجديا الاكتفاء بما يجري من حوار في الغرف المغلقة وحدها. لقد أصبح مجلس الشورى ميدانا لصراع حاد يحمل مشاهد التعبئة النفسية بين الإسلاميين وبعضهم البعض. هذه التعبئة جاءت امتدادا للمشهد الذي تابعه المصريون على الشاشات خلال الحوار الوطني في الرئاسة المصرية، حين هدد رئيس حزب النور بالانسحاب من جلسة الحوار الوطني المذاعة على الهواء مباشرة، مشيرا إلى عدم مناقشة مبادرة حزب النور خلال الحوار، وإلى تعمد تأخير دوره في الحديث إلى ما بعد مغادرة الرئيس لجلسة الحوار. وهو بدوره جاء متواكبا مع أزمة إقالة مستشار الرئيس من حزب النور (خالد علم الدين) ومع انسحاب التيار السلفي أو قيادات ورموز الدعوة السلفية من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، التي جاء تشكيلها من ثمرات الحرية والعلنية التي حققتها ثورة يناير وكان ينظر لها كأحد أهم آليات الحوار والنقاش لاتخاذ موقف موحد للقوى والفصائل والحركات الإسلامية. وفي الجانب الآخر من المشهد، فالحراك والخلاف والصراع داخل الصف الإسلامي، بات يخرج عن إطار القطبين الرئيسين (حزبا الحرية والعدالة والنور) إلى تشكيل حالات اصطفاف من قبل الفصائل الإسلامية الأخرى، مع هذا القطب أو ذاك، بما صار يهدد بتوسيع هذا الخلاف وشموله الأطراف الإسلامية الأخرى، التي يمكن المراهنة عليها في جهود توحيد الصفوف وتشكيل مظلة واقية من الاندفاع الجاري في تصعيد الخلافات وتحويلها إلى نمط صراع، يخيب الآمال التي وضعها الشعب المصري في رقبة الإسلاميين حين اختار رأيهم ومواقفهم منذ بداية الثورة وحتى الآن في كل مرة جرى اللجوء فيها إلى صندوق وبطاقات إبداء الرأي في الانتخابات والاستفتاءات. هذا الذي يجري عنوان خطر شديد على الثورة. فالحركة الإسلامية تدخل هذا الصراع في ظل مرحلة بالغة الحساسية، إذ هي لم تحقق بعد وضعا مستقرا لفكرها ودورها وبرنامجها، كما هي لا تزال تعيش وقع ضغوط حادة وغير مسبوقة تستهدف إسقاطها وتجربتها وبرنامجها وتصل إلى حدود مواجهة الإسلام. والثورة المضادة الجارية لن تترك أحدا، وكل المتصارعين من الإسلاميين لا مكان لهم على الساحة السياسية وربما الفكرية إذا وصلت الثورة المضادة إلى سدة الحكم. والظاهر الآن أن الثورة المضادة لا تزال أشد كفاءة وقدرة على إدارة الصراع وامتلاك أدواته الإعلامية خاصة، كما هي توحد وتعمق وتقوى صفوفها، فيما الإسلاميون يصعدون خلافاتهم بصورة متواترة إلى درجة القطيعة. والأدهى والأمر أن الإسلاميين لم يعودوا يدركون أنهم يدخلون تجربة الحكم الراهنة، بلا سند أو ظهير دولي، كما قليل من العرب يساندونهم، فيما قوى الثورة المضادة تحظى بدعم وإسناد من قوى في الغرب والشرق ومن بلاد العجم وكثير من بلاد العرب، وهو ما يجعلها في وفرة من ترتيب أمورها، حتى وهي الأضعف على صعيد دعم وتأييد الرأي العام لها. والقصد أن وحدة موقف الإسلاميين هي ضرورة إستراتيجية للحفاظ على التوازن في المواجهة بحكم تحالف خصومهم في الداخل مع قوى أساسية في الخارج. وبلغة أخرى، فإن التجربة الإسلامية موفورة الجماهيرية لن تظل كذلك إذا واصلت صراعاتها، وأن معالم القوة التي تحظى بها حتى الآن يمكن أن تنقلب لمصلحة خصومها، إذا تواصل وتصاعد الصراع بين فصائلها. البادي حتى الآن، أن أسباب الصراع الجاري تعود إلى عدم وجود رؤى وخطط إستراتيجية واضحة تحدد الأهداف والخصوم وموازين القوى والتحالفات والمراحل المتعددة، وأهم عوامل القوة ونظيرتها من عوامل الضعف.