10 سبتمبر 2025

تسجيل

حرية الإنترنت على الطريقة الأمريكية

22 مارس 2012

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع، أنها ستنفق 25 مليون دولار أمريكي هذا العام على برامج حرية الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط. وحسب تصريح على موقع الوزارة، فإن هذه البرامج تهدف إلى توفير برامج التدريب والأدوات اللازمة لناشطي المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط والعالم، لتمكينهم من ممارسة حريات التعبير ولتنظيم وإنشاء التجمعات على شبكة الإنترنت وكذلك عبر وسائل تقنيات الاتصالات الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية قد أنفقتا 76 مليون دولار في الفترة بين 2008 و 2011 على عمليات برمجة حرية الإنترنت. قد تبدو هذه البرامج من الوهلة الأولى، وكأنها مبادرة من جانب الولايات المتحدة لتعزيز حرية الإنترنت العالمية. ولكن الحقيقة تكمن في أن بعض الناس قد يرون في ذلك فعلا سلبيا، معتبرين أن الولايات المتحدة تسعى لخلق العديد من المتاعب، وأنها بذلك تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. وقد يراها الآخرون شكلا من أشكال التجسس، خصوصا وأنه يشوبها الغموض فيما يتعلق بمن يتلقى الدعم منها. هذا بالإضافة إلى أن هذه المبادرة يمكن أن تصطدم مع قوانين وسائل الإعلام لبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، حيث توجد ضمن هذه القوانين أحكام لا تسمح لوسائل الإعلام، القديمة منها والجديدة، بالحصول على تمويل لأنشطتها من الدول الأجنبية. ومع ذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة لتعزيز حرية الإنترنت في جميع أنحاء العالم تبدو غير متوافقة مع الإجراءات التي اتخذتها كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة، مثل جوجل وتويتر ويوتيوب وأيضا البلاك بيري، والتي ظهرت جليا في الآونة الأخيرة من خلال امتثالها لطلبات حكومات بعض الدول لمنع تداول أي محتوى ترى هذه الحكومات أنه يسبب ضررا لمصالحها أو خطرا على أمنها. حيث أعلن موقع تويتر في وقت سابق من هذا العام، بأنه أصبحت لديه القدرة على فرض رقابة وقيود على محتويات تعليقات المستخدمين، حيث سيضطر موقع تويتر لحذف التعليقات التي تتضمن محتويات تعتبر مخالفة في دولة بعينها من خلال منع ظهورها في تلك الدولة تحديدا، مع إتاحتها في باقي دول العالم، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول كيفية تعامل موقع هام من مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر - والذي تتنامى قاعدة مستخدميه بصورة سريعة على مستوى العالم - مع قضايا حرية التعبير، كما أثار إعلان تويتر موجة من الاحتجاجات الغاضبة من قبل جمهور المستخدمين وخاصة جماعات دعاة حرية الإنترنت، التي أصبحت تتحسر على حقيقة قبول مثل هذه الشركات العالمية، والتي تتبنى سياسة الجزرة والعصا في آن واحد، وهي الدعوة لحرية التعبير في ذات الوقت الذي تمتثل فيه لمطالب بعض الحكومات الحريصة على قمع معارضيها، حتى وإن كانوا مجرد سكان آمنين في بيوتهم. ومؤخرا، أعلنت جوجل أيضا أنه سيتم توجيه روابط مواقع المدونات إلى عناوين نطاقات خاصة بكل بلد، حيث ذكرت شركة جوجل موضحة: "نحن نفعل ذلك لتوفير المزيد من الدعم لإدارة محتوى المدونة محليا، وإذا تلقينا طلبا بإزالة محتوى ما، يخالف القانون المحلي في أي دولة، فإن هذا المحتوى لن يكون متاحا للقراء في النطاق المحلي لتلك الدولة حيث تطبق تلك القوانين. وهذا الإجراء التحديثي يتماشى مع النهج الثابت الذي ظللنا نتبعه والذي لم يتغير، تجاه حرية التعبير والمحتويات المثيرة للجدل". كل هذه التطورات لا تبشر بالخير بالنسبة لنشطاء الإنترنت، وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط، التي لعب فيها الإنترنت - عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي - دورا حاسما في حشد المتظاهرين في دول الربيع العربي، والتي أدت إلى سقوط العديد من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. وربما إذا قامت هذه الشركات بتنفيذ إجراءاتها الرقابية تلك المقيدة لحرية التعبير، في الدول الغربية، حيث توجد هناك حكومات منتخبة ديمقراطيا، فقطعا لن تكون هناك إشكالية كبيرة، لأن هذه الدول لديها برلمانات ومجالس وهيئات ممثلة للشعب، وتعتبر في واقع الأمر بمثابة الجهاز المنظم لنبض الشارع، والجهة الممثلة الشرعية لصوت الشعب. بالإضافة إلى أن هذه الدول لديها قوانين وتشريعات تسمح بحرية الرأي والتعبير بين مواطنيها، ولديهم كذلك مختلف القوانين التي من شأنها حماية الناس من كل ما يعرض حقوقهم للانتهاك. ولكن الأمر يختلف عندما يتم تطبيق هذه القيود في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن الديموقراطية لم تنضج بما فيه الكفاية لتؤتي ثمارها كما هو الحال في الدول الغربية، ولا يوجد اختيار حقيقي لجهة تمثل نبض الشارع وتلهج بأصوات الأغلبية. وهناك الكثير من دول المنطقة أيضا ليست لديها قوانين للإنترنت أو تشريعات تتيح حرية التعبير. وحتى البلدان التي قامت فيها انتفاضات الربيع العربي، لا تزال دساتيرها قيد الدراسة والنقاش أو في طور وضع اللمسات الأخيرة، ولذلك لا توجد حماية قانونية سارية النفاذ لحقوق الناس وحرياتهم. لا شك أن الإجراءات التي تتخذها هذه الشركات الأمريكية الكبيرة، تتعارض مع مبادرة الولايات المتحدة بشأن تعزيز حرية الإنترنت العالمية، وتقوّض سياسة الحكومة الأمريكية - القائمة أساسا على الحرية - التي تروج لها، وهذا يعني أن هناك تضاربا في المصالح. فمن جهة، تنشط حكومة الولايات المتحدة في إنفاق ملايين الدولارات على البرامج التدريبية وتوفير أدوات للناشطين من أجل دفعهم لتجاوز القيود الحكومية في بلدانهم وممارسة حرية التعبير بكل اطمئنان، ومن جهة أخرى، تقوم الشركات التقنية الرائدة في مجال خدمات الإنترنت، مثل جوجل وتويتر، بالامتثال سمعا وطاعة لطلب الحكومات الأخرى الرامي لفرض رقابة وقيود على معلومات وبيانات محددة تخص آراء وتعليقات المستخدمين. إن هذه الإجراءات تعطي إشارات متباينة ومتناقضة للناس في الشرق الأوسط بشأن ماهية النوايا الحقيقية لحكومة الولايات المتحدة، وتثير الشك والريبة، وهذا ما يقودنا إلى السؤال: ما هي الأجندة الحقيقية وراء هذه المبادرة للولايات المتحدة؟ وهل الحكومات العربية على علم بأن الولايات المتحدة تقوم بتمويل ناشطي الإنترنت وتعلمهم كيفية تجاوز القيود المفروضة على الإنترنت والاتصالات في بلدانهم؟ وحتى يتم تطهير هذه المبادرة من الشك في أجندتها الحقيقية، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تكون أكثر شفافية فيما يتعلق بالأفراد أو المجموعات التي تتلقى هذا الدعم، فضلا عن المعايير التي يتم من خلالها اختيار الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا جزءا من البرنامج. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة ينبغي أن تتعاون مع الأمم المتحدة من أجل تنفيذ هذا البرنامج بدلا من القيام به من تلقاء نفسها، لأنها بذلك سوف تعطي البرنامج المزيد من الشرعية، وستبدد الشكوك العالقة في أذهان الناس في الشرق الأوسط في أن هذه البرامج ليست إلا مجرد حيلة ذكية، ذات أجندة خفية، تتخذها الولايات المتحدة للتجسس على بلادهم وتحرض بها على الاضطرابات وعدم الاستقرار. وينبغي للأمم المتحدة، بدعم من القوى العظمى الغربية مثل الولايات المتحدة، والتي لديها البنية التحتية للتكنولوجيا المتقدمة، استصدار قانون دولي لحرية الإنترنت يحظى باحترام جميع الدول، على غرار القانون الدولي لحقوق الإنسان. وبناء على هذا القانون الدولي لحرية الإنترنت يتسنى لكل دولة وضع القوانين الخاصة بها، والتي ستتضمن أيضا أحكاما تتوافق مع ثقافتها ومعتقداتها الدينية ومبادئها الخاصة بها. وسيقوم هذا القانون بوضع معايير موحدة لجميع الدول فيما تتعلق بحرية الإنترنت، تضمن حماية حقوق كل الناس في هذا العالم الذي ظلت تتلاطم به أمواج العولمة العالية وتقود دفته في اتجاه العلم والتكنولوجيا، وتجتاحه رياح ثورة المعلومات والاتصالات العاتية، التي تتراجع حيالها قيمة الحدود بين الدول. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]