12 سبتمبر 2025

تسجيل

النازية «الإسرائيلية» ومحرقة أرض الميعاد

22 فبراير 2024

على الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمان على صدور كتاب (إسرائيل النازية ولغة المحرقة) للمفكر الراحل د. مصطفى محمود، إلا أن الأحداث التي عرض لها لا تقل دموية عن الأحداث الدائرة في طوفان الأقصى منذ شهور، إن لم تكن الأخيرة أشد بطشاً وأثقل وطأة في التخاذل وقلة الحيلة! يبدأ المفكر بمقالة (النبوءة) التي شهدت صعود ظاهرة عالمية يُطلق عليها (الإسلام)، من بنوك واستثمار وأزياء وصحافة، إضافة إلى الجهاد كما في أفغانستان والشيشان وجنوب لبنان، والتي تقرأ ظهورا ثانيا للإسلام يحشد القوى لمواجهة الظهور الثاني لدولة إسرائيل، كما في وعد الآخرة القرآني، وذلك بعد أن يزيل ما تبقى من «الأراجوزات الكبار» ويلحم الجبهة العربية بعد طول تمزق وفرقة. ذلك الصعود الثاني هو أخشى ما تخشاه إسرائيل التي ستفتعل ضده الحروب مستعينة بالتأييد الأمريكي، غير أن المفكّر يتنبأ في مقالة (إنهم يلعبون بالنار) لهذا التأييد بالتلاشي مستعيناً من جديد بالقرآن الكريم! فليست أمريكا سوى (عاد الثانية) التي سيجري عليها ما جرى على (عاد الأولى) وقد جاء في وصف الأولى من العلو والبطش، ما يتطابق ووصف الثانية! يقول المفكّر: «وذلك لغز آخر يجلوه القرآن في إشارة عابرة يصف فيها قوم عاد بأنها عاد الأولى، والمعنى أنه ستكون هناك عاد ثانية! دولة عملاقة تتعملق في صناعاتها كما تعملقت عاد الأولى، هي أمريكا.. ثم يجري عليها حاصد الفناء فيأتي عليها ربنا من القواعد. والمعنى المهموس بين السطور: أن أمريكا لن تظل أمريكا». يتبع المفكر نبوءته بمقالة (النازية الجديدة) التي بها يوصم إسرائيل وغلوها، وإن غاب عنها هتلر! فالفرق كبير بين جنود الصاعقة الألمان وأندادهم من اليهود، «وهو فرق بين شجاعة وجبن.. وبين صمود وفرار.. وبين ثبات وانهيار.. وبين إيمان وكفر»، وعليها ستأتي النتائج كمفارقة أكبر، والموعد هو التاريخ كله، وإن مأساة إسرائيل قد بدأت أولى فصولها وستتوالى! غير أن المفكّر يحذر في مقالة (المختصر المفيد) من «اختصار التاريخ» الذي ستهرول إليه إسرائيل! حيث سيستمر العرب في الاستماع إلى خبر عقد قمة أو على وشك عقدها أو بتأجيلها على أمل عقد أفضل منها، في الوقت الذي تحشد فيه إسرائيل ترسانتها العسكرية وصواريخها النووية، وتعمل على تحقيق مرادها عن طريق التركيع إن لم يُجدِ التطبيع.. وقد عني بالمختصر المفيد سياسة التعقيد والتأييد، وأسلوب حل المشاكل بإقحام العرب في مزيد منها، «واختصار المراحل باستئصال الأوائل والأواخر». وكم كانت مفارقة أن يأتي المفكر في مقالة (نداء إلى الكل) على موقف التلفزيون البريطاني المندد بسياسة إسرائيل ضد المواطنين العرب في داخل إسرائيل ووصفها بالعنصرية، وهو يستعرض تقريراً يفضح مظاهر العزل العنصري، كحادثة إطلاق النار على متظاهرين مؤيدين للانتفاضة، وحادثة قتل اثني عشر شاباً في عملية وحشية، وهدم البيوت بالمدافع على رؤوس ساكنيها «بما أعاد للأذهان جرائم التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.. وقد اشتعلت المظاهرات في جنوب أفريقيا ذاتها تنادي بنجدة أهل غزة والخليل ودمغت إسرائيل بالعنصرية في مؤتمر ديربان». ثم يذهب المفكر إلى أبعد من مجرد التغيير الديموغرافي المتمثّل في التطهير العرقي في فلسطين وحدها، وهو يتطرّق إلى خطط إسرائيل المستقبلية في تجريد العرب من كل أشكال القوة لا سيما السلاح والثروة والموارد، وقد عدّت تلك القوة خطر آخذ في الاتساع ليشمل المستقبل بأسره. فيقول: «إن الحكاية أكبر بكثير من تغيير الجغرافيا في فلسطين، وهي أكبر بكثير من تشريد الفلسطينيين! فهي تهدف إلى تشريد كل العرب واقتلاعهم واقتلاع ديانتهم واقتلاع سيادتهم من المنطقة ومن الأرض ومن التاريخ قاطبة». يعود المفكّر من جديد لإسرائيل وأمريكا ليربط بينهما في مقالة (العولمة: الصنم الجديد)، فمن النظام العالمي الجديد وصندوق النقد الدولي إلى اقتصاد السوق، تم تنصيب «آلهة آخر الزمان» التي سنّت العقلية الاستعمارية وشرعنت السيطرة على مقدّرات الأمم باسم (العولمة)، فما يحدث من تخطيط أمريكي ظاهراً هو صهيوني في حقيقته، وإن النظام العالمي الجديد الذي وضعه (عصبة روتشيلد) وصكّوا وسمه على ورقة الدولار الأمريكي مع عين الهرم الماسوني، هو امتداد لتآمر اليهود على العالم منذ القدم، وقد وضع بروتوكولاته حكماؤهم، مرجعهم فيه كتابهم الجامع (التلمود). فبينما يخطط البروتوكول الثاني إلى إغراق البشر في مستنقع الفساد الأخلاقي، يسعى السادس إلى رفع أسعار حاجياتهم الضرورية، في حين ينشر السابع الأحقاد بينهم ويصنع الثورات، ويعمد التاسع إلى القبض على زمام التعليم وضخ المبادئ الماسونية في مقرراته مع نشر الإرهاب والآراء المتطرفة. أما العاشر فيختصّ بنشر الأوبئة، في حين يتسلّط الثاني عشر على وسائل الإعلام ليروّج للأكاذيب ويختلق الإثارة.. وأخطرها «الويل والاغتيالات لمن لا ينفذ تعليماتنا، والقتل لمن يبوح بأسرارنا». ومع أحداث الليلة التي جاءت تحاكي أحداث البارحة، فإن المفكّر الراحل لا يزال حاضراً بما حباه الله من ملكة فكرية وصدق في المنهج وإخلاص لما يعتنق، ما جعل من كتابه هذا كفيلاً لتذكير المؤمنين.