19 سبتمبر 2025
تسجيلمن جديد. نحن أمام زيارة هامة للمنطقة يقوم بها رأس الهرم الأمريكي والمسؤول الأول في الإدارة. بدأت التكهنات والتوقعات تدب في عقول وكتابات وتحليلات العديدين السياسية : بأن حركة جديدة ستعمل على ترميم عظام التسوية. لقد أعلن البيت الأبيض عن جولة رسمية سيقوم بها الرئيس أوباما إلى الكيان الصهيوني ورام الله والأردن في20-21 مارس القادم. مع الإعلان قفز أيضا منسوب التفاؤل لدى الكثيرين من السياسيين والمراقبين والمحللين: بأن أوباما سيعمل جاهدا هذه المرة من أجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. من خلال مشروع جديد للتسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل!. هذه الزيارة هي الأولى لأوباما في بداية ولايته الثانية،وهي الأولى أيضاً التي يقوم بها إلى الدولة الصهيونية، وتأتي بعد تعيين جون كيري وزيراً للخارجية. وإثر زوبعة أثارتها إسرائيل على اختيار أوباما لتشاك هاغل وزيراً للدفاع، وتأتي مسبوقة بنتائج لانتخابات التي جرت في كل من واشنطن وتل أبيب وتداعياتها وبخاصة في الأخيرة. قبيل الزيارة أيضاً: ظهرت تحليلات سياسية كثيرة توحي مباشرة أو بطريق غير مباشر عمّا يسمى بوجود "تناقضات بين نتنياهو وأوباما" بسبب أن الأول كان من أكبر مشجعي مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني، الذي كان قد أعلن من قبل : أنه إذا ما فاز في الانتخابات فإن زيارته الأولى ستكون إلى إسرائيل. هذه المسألة من وجهة نظر كثيرين: أسست لذلك التناقض. بدايةً، فإن ما يبدو أنه اختلافات جوهرية بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو هو محض وهم قد تكون هناك تباينات بين الطرفين لكن لا يمكنها الوصول إلى حدود التناقض. القادة الإسرائيليون يحسنون ابتزاز كل من مرشحي الحزبين: الجمهوري والديمقراطي. يعلنون تأييدهم الأكبر لأحدهما وبذلك يضمنون ولاءه للدولة الصهيونية. وإذا لم يفز،فإن هاجس الثاني يكون: إثبات ولائه لهذه الدولة هذا ما حصل بالنسبة لرومني وأوباما. أيضاً: فعندما يجري تعيين من لإسرائيل ملاحظات عليه. في منصب مهم في إدارة الفائز،تطلق عليه اتهامات مكشوفة قاسية،حتى يكون هدفه الأكبر:الوصول إلى الرضى الإسرائيلي،هذا ما حصل بالنسبة لتشاك هاغال الذي يؤكد في كل تصريح له عن(عشقه) لإسرائيل. التهم الإسرائيلية للمسؤولين في الدول الحليفة تكون دائماً جاهزة ومنها"العداء للسامية" وتشكل تهديداً دائماً لهم. من ناحية أخرى: فإن المقرر الأساسي للسياسات الإستراتيجية الأمريكية (خاصة بالنسبة لإسرائيل) هو: المجمع الصناعي العسكري المالي بالتعاون مع الإيباك (فيما يخص دولة الكيان). أما الرئيس الأمريكي فهو الواجهة لتنفيذ هذه السياسات نقول ذلك في الوقت الذي تخلى فيه أوباما عمّا قطعه على نفسه من وعود في خطابيه في كل من أنقره والقاهرة: عن عزم إدارته التعامل بأسس جديدة مع العالمين العربي والإسلامي. وعاد إلى السياسة الصقورية. لقد تخلى عن كل اشتراطاته بالنسبة لإعادة التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وبات يردد المفهوم الصهيوني للتسوية: باعتبار الاستيطان لا يشكل عقبة أمام العودة إلى المفاوضات.تراجع أوباما عن تواريخه بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وتبنى مجمل المواقف الإسرائيلية بالنسبة لكافة القضايا المطروحة على طاولة التسوية واعترفت أمريكا"بيهودية إسرائيل". أما على صعيد التفاؤل بربط الزيارة من أجل تحقيق التسوية فقد حرص البيت الأبيض على الإسراع في كبح هذه التطلعات من خلال القول: "إن الزيارة فرصة لتنسيق مواقف البلدين بشأن الملفات ذات الاهتمام المشترك".هذا ما أكده بروس جنتلسون البروفيسور في جامعة ديوك والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية من خلال القول: "إن الرحلات الرئاسية لا تصلح سوى لملء الفراغ فإذا نظرتم إلى الرحلات التي قام بها الرئيس أوباما إلى الصين أثناء ولايته الأولى على سبيل المثال،فإن المسألة تتعلق بتحسين العلاقات". هذا أولاً. ثانياً: فإن الأولوية الكبرى لنتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة في دولة الكيان هي: كبح جماح المشروع النووي الإيراني،هذا ما أعلنه مراراً وتكراراً. وآخر مرة كانت: تصريحه عند مغادرته مقر شيمون بيريز رئيس الدولة بُعيد تكليفه بتشكيل الحكومة، بالتالي:لا تشكل التسوية هاجسا لنتنياهو هذا بالرغم مما جاء على لسانه في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى الذي انعقد في تل أبيب "من أنه ما يزال يؤمن بحل الدولتين". بالمعنى العملي: من خلال الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية انعدمت فرصة هذا الحل إمعاناً في التحدي وبُعيد الإعلان عن زيارة أوباما. صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 90 وحدة استيطانية في الضفة الغربية. لكل ذلك فإن أهداف زيارة أوباما تتمثل في: أولاً: التأكيد على عمق العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ثانياً: التزام الولايات المتحدة الكامل بالأمن والوجود الإسرائيلي وفق ما تقرره إسرائيل. ثالثاً: الرد على الأقوال والمغالطات التي تحدثت عن تناقضات بين أوباما ونتنياهو. وتوجيه رسالة للكونغرس الأمريكي ولإسرائيل : بأن إدارة أوباما هي الأخلص بالنسبة لإسرائيل. رابعاً: تنسيق المواقف فيما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني وقضايا التسوية. خامساً: ممارسة المزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني بالعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل دون شروط مسبقة. والاقتراب من المواقف الإسرائيلية للتسوية وعدم إنجاز المصالحة. من أجل ذلك وعد الكونغرس الأمريكي بقرب استئناف المنحة الأمريكية للسلطة بعد إيقافها. سادساً: ممارسة الضغط على الأردن لتحمل عبء المسؤولية بقبول فكرة الكونفيدرالية مع الأراضي الفلسطينية. سابعاً: الاستمرار في ممارسة الخداع الأمريكي للعرب: بأن الولايات المتحدة مع نشر الديمقراطية في العالم العربي. لكل ذلك يأتي أوباما إلى المنطقة لا من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. ولا من أجل إنصافهم ولا لتحقيق العدالة لهم وإنما من أجل إعلان المزيد من التأييد لإسرائيل. إن كثيرين يحولون إلباس الزيارة غير ما تحتمل. أهداف الزيارة واضحة وضوح الشمس ومعروفة النتائج مسبقا.