17 سبتمبر 2025
تسجيلتقترب الثورة السورية من إتمام عامها الأول، فيما لا تزال تصارع بعزم ومثابرة ومصابرة نظاما شرسا يدافع عن بقائه على طريقة " أنا أو الطوفان"، وسط خشية من طول المدة التي قد يحتاجها حتى يسقط، وتنتصر هذه الثورة. ورغم عدم الاختلاف على أن هذا النظام آيل للسقوط المحتم طال الزمن أو قصر، وأنه رغم كل الأساليب الوحشية والدموية التي يستخدمها لقمع المحتجين السلميين والمدنيين العزل وارتكاب مجازره ضدهم، من خلال جيشه وشبيحته وأجهزة أمنه لم يفلح في إخماد الثورة، فإن ما يخشى منه أن يطول أمد القضاء عليه قضاء مبرما، أو يسعى هو لكي يدفع الثورة من خلال ممارساته المتعمدة وممارسات الجهات الخارجية التي تقف وراءه وتدعمه للانزلاق إلى مسارات بشعة لم تخطط الثورة لها أو تفكر بها بحال من الأحوال. لقد شهدنا خلال عام أويزيد قليلا انتصار أربع ثورات وتهاوي عروش أربعة أنظمة ديكتاتورية وفاسدة، بطرق متعددة (تونس، مصر، ليبيا، اليمن)، فيما لا يزال النظام السوري يواصل تشبثه بكرسيه ويصارع من أجل البقاء بطرق غير أخلاقية أو إنسانية ولعل لهذا الأمر أسباب تتصل به، وتتصل بداعميه، وتتصل بالمواقف الدولية تجاه الأزمة الحاصلة وبصورة تختلف عما حدث في الدول التي سبق التنويه بشأنها، لعل من أهمها: 1ـ ما يخص النظام السوري: ـ البناء العقائدي للنظام والجيش وأجهزة الأمن تحت ستار حزب البعث، والسيطرة القائمة على مفاصل هذه الأجهزة من قبل أسرة الأسد وأقاربهم ومن هم قريبون من أبناء طائفتهم، واستخدام أساليب غير معهودة لمنع انشقاق العسكريين وقيادات الدولة عن النظام. ـ المحاولات المستميتة منه لجرّ الطائفة التي ينتمي إليها (الطائفة العلوية الكريمة) إليه ومحاولة التخندق خلفها، من أجل تصوير الصراع على أنه طائفي، والتحضير لاستخدام هذه الورقة بقوة في اللحظة الحرجة لسقوطه. ـ القدرة البارعة على خلق التحالفات الخارجية، والإفادة من التغييرات المحيطة بها على مستوى الإقليمي والدولي، وتقديم التنازلات للدول الخارجية مقابل دفاع الأخيرة عنها (تحالف استراتيجي قوي وبخاصة مع كل من إيران وروسيا من عهد الرئيس الأب إلى عهد الرئيس الابن) ـ الوحشية والقتل والقصف والتدمير الممنهج والمجازر التي فاقت بحدودها كل التوقعات باستخدام كافة الأسلحة، والاستعانة بالخبراء الخارجيين. 2ـ ما يخص الداعمين وبخاصة إيران وروسيا ويضاف إليهما إسرائيل: ـ تقديم الدعم العسكري والأمني (صفقات أسلحة ومستشارون عسكريون وامنيون) والسياسي والدبلوماسي (الموقف من مجلس الأمن، محاولة بائسة للتوسط لإجراء حوار بينه وبين المعارضة..) الكبيرين، وأسباب ذلك أن إيران لا تريد أن تخسر نفوذها الإقليمي الممتد من طهران مرورا ببغداد ودمشق وحتى جنوب لبنان والقابل للتوسع، وترى أن رحيل النظام سيفكك مرتكزات هذا الخط وسيضعف حلفاءها في بغداد (حكومة المالكي والأحزاب الشيعية القريبة منها)، وفي لبنان (حزب الله)،وبالتالي تراجع نفوذها بشكل واضح، أما بالنسبة لروسيا، فلا تريد خسارة آخر قلاعها وقواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، وتحاول من خلال الدفاع عن سوريا منع انتقال رياح التغيير إلى الجمهوريات الإسلامية التابعة لها، فيما يريد بوتن أن يثبت لشعبه في ظل الانتخابات القادمة أن موسكو ما تزال لاعبا كبيرا عالميا. أما إسرائيل فإنها لا تريد زوال نظام حافظ على جبهة هادئة على حدودها، ولم يتعرض ولم يسمح بأي اختراق لأمنها القومي، مع خشية من قدوم البديل الوطني والإسلامي الذي لن يرضى ـ عن المدى القصير أو الطويل ـ بهذا الوضع أو التسليم به، وهو ما يهدد باتالي أمنها ووجودها. 3ـ مواقف الداعمين من الدول العربية والإسلامية والدولية: ـ إنها مواقف بطيئة ومترددة وخائفة من النظام وتحالفاته، تقدّم رجلا وتأخر أخرى، ولا ترقى حتى إلى لحماية المدنيين أوتلبية احتياجاتهم الإغاثية العاجلة، رغم كل ما يحدث في حمص وريف دمشق وإدلب من فظائع على يد النظام السوري، ولا يتجاور دعمها الدعم السياسي وبحدود ضيقة جدا، على خلاف ما قام الناتو والغرب في ليبيا. واقع الحال يشير إلى أن هذه الثورة لا تواجه في حقيقة الأمر النظام السوري وحده، بل تواجه في آن معا كل من يقف في صفه (عدة أنظمة إقليمية ودولية)، وتناضل على أكثر من جبهة.. المنتظر أن تغير الثورة المتنامية والمتسعة كما ونوعا أكثر من معادلة في سوريا والمنطقة بإذن الله.. ولعل هذا ما يفسر شراسة ودموية النظام وداعميه وبخاصة: إيران وإسرائيل وروسيا، وفاتورة الضحايا الكبيرة للشعب السوري في حمص والمدن الأخرى وتأخر سقوط هذا النظام الأسدي. لكن يبقى أن لسنن الله عز وجلّ وقوانين السماء من جهة، وللحراك الشعبي المتعاظم على الأرض من جهة أخرى حساباتها التي تختلف عن حسابات الظلمة وأعوانهم.