18 سبتمبر 2025
تسجيلبدا استثمار قطر في تطوير الغاز الطبيعي المسال للتصدير طموحًا في عقد التسعينيات، لكنه أدى إلى تحقيق عوائد مربحة وطويلة الأجل مع سعي العملاء إلى تأمين مصادر الطاقة كان أكبر حدث وقع في عام 2022 هو غزو القوات المسلحة الروسية لأوكرانيا، وكان أحد أكبر الآثار الجانبية الاقتصادية الناجمة عن هذا الغزو هو تسارع المساعي الرامية لتحقيق أمن الطاقة. وكانت للعقوبات التي فُرضت على روسيا تأثيرٌ كبيرٌ، حيث تأجل افتتاح خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي كان يهدف إلى إمداد أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي مباشرةً من روسيا، وبدأت الدول الأوروبية مساعيها العاجلة لتأمين مصادر الطاقة من موردين آخرين. وتتمتع دولة قطر بوضع مثالي بفضل احتياطياتها البحرية من الغاز الطبيعي في حقل الشمال، حيث تمتلك البلاد ثالث أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي في العالم، بعد إيران وروسيا. وقد بدأ استثمار قطر في تطوير الغاز الطبيعي المسال خلال عقد التسعينيات يؤتي ثماره بشكل جيد. فقد وقعت البلاد عقود توريد طويلة الأجل مع شركة سينوبك الصينية هي الأطول حتى الآن، حيث تمتد هذه العقود لفترة 27 عامًا، كما وقعت عقودًا طويلة الأجل مع ألمانيا تمتد 15 عامًا. وفي شهر ديسمبر من العام الماضي، افتتحت ألمانيا أول محطة متخصصة للغاز الطبيعي المسال اكتمل بناؤها خلال وقتٍ قياسيٍ. وغالبًا ما يُصنف النفط والغاز على أنهما سلعة خام، ولكن الغاز الطبيعي المسال يُعدُ أكثر تعقيدًا من النفط الخام، إذ يحتاج تسييل الغاز بحيث يمكن نقله بأمان عن طريق البحر إلى عمليات هندسية متقدمة، في حين أن المرافق المتخصصة فقط هي التي يمكنها التعامل مع المعالجة العكسية في ميناء الوجهة، قبل نقل المنتج إلى المنازل والشركات عبر خطوط الأنابيب. وعندما بدأ الاستثمار القطري في التسعينيات، كان هذا المشروع من المشاريع الضخمة التي تطلبت الدخول في شراكة مع شركات النفط الكبرى لتوفير مستوى متقدم من الخبرة. وفي ذلك الوقت، تمكنت شركات النفط بصفتها شريكًا فاعلاً من التفاوض على شروط أفضل مقابل تقديم خبراتها، ولكن مع تطوير قطر لخبراتها وإثبات رهان الغاز الطبيعي المسال لنجاحه، نجحت قطر في فرض شروطها. ويتميز الغاز بأنه منتج ممتاز ذو قيمة مضافة كبيرة أكثر من كونه سلعة بسيطة، وباتت دولة قطر تحتفظ بنسبة مرتفعة من عائدات الغاز. وبالإضافة إلى الاضطرابات الجيوسياسية التي تفاقمت في عام 2022، هناك عوامل أخرى ساهمت في زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال. ويتميز الغاز الطبيعي المسال بأنه أنظف من النفط أو الغاز على الرغم من كونه وقودًا أحفوريًا، وفي ظل التزام الشركات الكبرى والحكومات بأهداف تحقيق الحياد الكربوني لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، يتمتع الغاز بوضع جيد باعتباره وقودًا انتقاليًا. ورغم انخفاض إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي خلال عام 2022 في أوروبا، زادت نسبة استهلاك الغاز الطبيعي المسال بشكل حاد، بارتفاع بلغت نسبته 65٪ خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، في ظل انخفاض الإمدادات القادمة من روسيا. وتمنح الدول والشركات أولوية لأمن الطاقة بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية. ورغم توافر العديد من أنواع الطاقة المتجددة وتحسن فعاليتها من حيث التكلفة، فمن الخطر دائمًا الاعتماد المفرط على مصدر أو اثنين أو حتى ثلاثة من مصادر الطاقة في توليد الكهرباء. ومن الحكمة أن يكون لديك خمسة أو ستة مصادر، بما في ذلك بعض المصادر التي لا تتأثر بالطقس، حيث أن الرياح لا تهب دائمًا ولا تشرق الشمس باستمرار. كما تأثرت الطاقة الكهرومائية بشدة بفعل الجفاف الذي حدث في نصف الكرة الشمالي خلال عام 2022. ويمثل الأمن أولويةً إستراتيجيةً، وغالبًا ما يكون أكثر أهميةً من الأسعار، التي تميل إلى التقلب وعدم الثبات بحيث لا يمكن التنبؤ بها. ففي شهر أكتوبر من العام الماضي، توقع البنك الدولي انخفاض أسعار النفط والغاز على الأرجح في عام 2023 لتهبط من أعلى مستوياتها النسبية المسجلة في عام 2022، متأثرةً بالصراع في أوكرانيا. ولكن بحلول عام 2024، من المرجح أن تتضاعف أسعار الفحم والغاز الطبيعي عن متوسط الأسعار المسجلة خلال السنوات الخمس السابقة لها. وفي الختام، نود التأكيد على أنه قد ثبُت أن تطوير الخبرات في قطاع إنتاج الغاز الطبيعي المسال من الاستثمارات الذكية لدولة قطر.