16 سبتمبر 2025

تسجيل

القطار لا يميز ضحاياه على القضبان

22 يناير 2016

تبدو الحرب الجارية في إقليمنا، معقدة وشاملة بالمعنى الذي لم تحدث به الحروب من قبل، لا الحرب العالمية الأولى ولا الثانية ولا أي حروب أخرى شهدها العالم. الأمر هنا واضح في أننا أمام حرب شاملة على المدنيين ولسنا أمام معارك بين جيوش.نحن أمام حرب تخوضها أعتى الجيوش ضد مجموعات مقاتلة متواضعة التسليح، يجري استخدامها مبررا وحجة لقيام تلك الجيوش بقتل المدنيين وتهجيرهم.وهي حرب تستخدم فيها الأسلحة الأشد تطورا، وهي تتفوق على أسلحة الحرب العالمية الثانية بعدة أجيال في محصلة القتل والتدمير–حتى إن روسيا وأمريكا تجربان تجارب عملية الآن على أسلحتهما وقذائفهما الجديدة – ويقوم على خططها أشد العقول شيطانية بين بني البشر، وهم يحشدون ويركزون قوة ساحقة ضد طرف واحد هم العرب أو السنة (كل الأطراف ضد طرف واحد). لكن، ورغم أهمية وجوهرية كل ذلك، فالأمر أشد شمولا وتعقيدا. فالحرب التي تشن على عالمنا الإسلامي، هي حرب تقوم على بعث قسري لثقافات ما قبل الإسلام في ربوع العالم العربي، فالعرق والقومية والهوية الثقافية، صارت ما يتمايز به الناس ويتقاتلون تحت راياتها، وهو ما يثير الفتن والفوضى الشاملة داخل كل المجتمعات وعلى مساحة جغرافية تتمدد دوما.وبذلك هي حرب هويات وثقافات وأعراق، عمل على بعثها وتحويلها لظواهر عسكرية وإدارتها علماء وخبراء. وهي حرب إبادة ضد طرف واحد، إذ مجموع ما قتل من العرب السنة يتصاعد وقريبا سيكون في مستوى إعداد من قتلوا في إحدى الحربين العالميتين. وهي حرب، القتلى فيها من طرف واحد، وكلهم من المدنيين.. وهي حرب إبادة تستخدم فيها كل أسلحة الحروب من الطيران إلى المدفعية إلى البراميل المتفجرة ضد المدنيين، وهي بدأت باستخدام قنابل اليورونيوم المنضب والقنابل الفسفورية في العراق وفي غزة، وعنوانها اليوم هو البراميل المتفجرة ومذابح القتل على الهوية، كما شهدت باستخدام السلاح الكيماوي كما حدث في سوريا.وهي حرب تهجير وطرد للسكان من أرضهم، من قراهم ومدنهم وتحويلهم إلى لاجئين مشردين، حتى بات بالإمكان القول، إنها حرب متوحشة لطرد السكان، وقد رأينا الأمر في العراق إذ مناطق الوسط التي يسكنها العرب السنة صار أهلها خارج ديارهم مشردين في خيام على أرض العراق أو في خارج العراق وعددهم بات بالملايين. والأمر كذلك في سوريا، إذ نفس المكون الإنساني العربي السني، صار مشردا بالملايين في دول الجوار وأوروبا. وهي حرب تدمير لمقدرات وقدرات الدول، أو هي حرب تحويل الدول القائمة إلى نمط الدول الفاشلة وكانت الافتتاحية في الصومال، وبعدها ذهبت أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا إلى نفس المصير.. وهي حرب إعادة رسم الخرائط السياسية، إذ تخطط الدول الكبرى لإطلاق دورة من إعادة تشكيل دول جديدة في موجة ستعم الإقليم، وإذ بدا الأمر في إطلاق التقسيم في السودان بتشكيل دولة جنوب السودان، فليس معروفا بعد متى تكون البداية الرسمية في العراق وسوريا، إذ كل التحضيرات جارية، وما كل ما سبق من إنعاش هويات ما قبل الإسلام وتفكيك المجتمعات وطرد السكان بالملايين، إلا التحضيرات لإطلاق الإعلانات الرسمية... وهي حرب تمكين الأقليات ودعمها كأداة تفكيك أولا، وأداة تشكيل دول جديدة من بعد.وهي حرب تجري باستخدام الكل ضد الكل، في داخل مجتمعاتنا فلا يدفع المستعمر إلا النذر اليسير من قوته ثمنا لتحقيق أهدافه. ومن يتصور اليوم أنه سيأخذ نصيبه أو يحصل على ثمن ما قلم ويقوم به من جرائم قتل الآخر في وطنه، فهو واهم، إذ القطار لا يميز ضحاياه متى وضعوا أنفسهم على القضبان..