30 أكتوبر 2025

تسجيل

اكتمال اختطاف اليمن.. الدلالات والمآلات

22 يناير 2015

واضح أن عملية اختطاف اليمن وهي في فصولها الأخيرة قد تمت بنجاح وكما هو مخطط لها، منذ أن سيطر الحوثيون على صنعاء في شهر سبتمبر الماضي على الأقل. لابد أن نعترف شئنا أم أبينا أن المشروع أو المخطط الإيراني يتقدم بذلك خطوة أخرى نحو الأمام ويحتل مواقع جديدة من خلال أذرعه في المنطقة، بعد العراق وسوريا ولبنان، حيث كلمته هي الأقوى، أو له حضوره الذي لا يمكن تجاوزه. أدوات المشروع الإيراني كما هو ملاحظ تزاوج بين القوة العسكرية “جناج ميليشاوي“ والواجهة السياسية والشعبية، وتغلّف تحركاتها بالعمل الثوري والمقاوم وهذا ينطبق على حزب الله والحوثيين والجماعات الشيعية الموالية لها في العراق. ومن المؤسف أن ذلك قد تمّ جهارا نهارا وعلى نار هادئة تحت أنظار عربية غافلة وتواطؤ دولي ضمن لعبة المصالح واقتسام مناطق النفوذ والاعتراف بإيران كلاعب إقليمي وإعطائها حصة في هذه “الكعكة”.إيران فضلا بناء قوتها الذاتية عسكريا وأمنيا وسياسيا فإنها تثبت قوتها الدبلوماسية عمليا، فهي توظّف أذرعها في هذه المعركة، وتستطيع أن تطمئن الغرب من خلال بعض الإشارات كالحرب على الإرهاب وجماعات القاعدة، وتضمن موافقته أو صمته ضمن توافقات المصالح، وتحاول كسب تأييد شعبي ومنطقي لتحركات مشاريعها الإقليمية. آثار هذا الاختطاف محزنة مؤلمة لأسباب كثيرة، فعلى المستوى الداخلي كشف عن: ـ سرقة ثورة شعب، وخسارة جديّة لثورات الربيع العربي، لصالح فئة ذات أهداف طائفية ومذهبية وإن غلّفت نفسها بحراك شعبي وأهداف ثورية.ـ تواصل التبعية الواضحة والولاء الفاضح لبعض الجماعات والأحزاب المحلية العربية دون رادع قانوني أو أخلاقي أو استنكار قوي، يتجلّى هنا في نموذج الحوثيين، وقبله حزب الله الذي لا يخفي أنه جزء من ولاية الفقيه.. وبسبب هذه البجاحة لم تعد إيران تخفي مقتل قيادات في الحرس الجمهوري في دول أخرى كالعراق ولبنان وسوريا، ولم يوجد وجودهم مستغربا مع عناصر حزب الله، جنبا إلى جنب.ـ ضعف الأحزاب السياسية وهشاشة النخب التي لم تستطع إدارة مواكبة التغيرات المتسارعة منذ الثورة اليمنية ضد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ولم تستطع إدارة معركتها بحرفية ضد تحركات الحوثي منذ بداياتها. ـ بقاء اليمن على صفيح ساخن لفترات قادمة وعدم استقرار أوضاعه السياسية والأمنية لفترات قادمة، لأن الحوثيين وإن امتلكوا القوة والتنظيم الجيد إلا أنهم ليسوا محل ترحيب من مكونات مناطقية ومذهبية واسعة في اليمن، ومن الصعب جدا بسط سيطرتهم على كامل التراب اليمني بيسر وسهولة.ـ احتمالات عودة اليمن لشطرين أو تمزّقه لعدة دويلات وأقاليم ودخوله في أتون صراعات مناطقية ومذهبية وحزبية.أما على المستوى الخارجي: ـ محاصرة منطقة شبه الجزيرة العربية من أكثر من جانب أي من جهة، اليمن فضلا العراق، ومحاولة الضغط على المملكة العربية السعودية سواء ما يخص التفاهمات المتعلقة بالملف السوري أو كميات إنتاج النفط وغيرها.ـ زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الخليج والشرق العربي واتساع دوره الإقليمي في المنطقة العربية واكتساب مزيد من الاعتراف الدولي بهذا الدور كأمر واقع، وانتزاعه مزيدا من التنازلات العربية لصالحه.ـ انفتاح شهية المشروع الإيراني لمزيد من القضم والهيمنة في مناطق ودول عربية أخرى، ومحاولة العبث بأمنها واستقرارها. ولكن رغم ذلك؛ فإن ثمة من يرى أن إيران وأدواتها في المنطقة قد يبدون على المدى القصير والمتوسط في أوج قوتهم وهم يكسبون نقاط قوة ونفوذ جديدة ومتعددة إلا أنهم على المدى المتوسط أو البعيد قد يخسرون كثيرا، فإيران وأدواتها سيتنزفون اقتصاديا وعسكريا وبشريا وأمنيا في مواجهات على عدة جبهات، كما هو حاصل في سوريا ولبنان والعراق والآن في اليمن، كما أن حالة من الكره للنظام الإيراني وبعض أدواته في المنطقة قد صارت شائعة لدى قطاع كبير في الشارعين العربي والإسلامي بسبب هذه السياسات والتصرفات، خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن كانا يحظيا بشعبية كبيرة حيث كان ينظر للنظام الإيراني كنظام مقاوم وممانع، ولأدواته كجماعات ومجموعات ومشاريع مقاومة ومواجهة للمشروع الصهيوني. في اليمن تركيبة معقدة صعبة، وحكمه ليس بهذه السلاسة وبذاك اليسر، لذا فليس مستغربا ألا ينفرد الحوثيون بالحكم لمفردهم وإنما يقودون البلاد ويتحكمون فيها من خلال الاستتار وراء شخصيات عامة قريبة منهم، أو من خلال التحالف من بعض الجماعات والمكونات السياسية.هاهي مسلسلات الاختطافات للمشروع الإيراني متوالية، ولا يستطيع أن ينكرها إلا أعمى بصيرة، وما من شك أن تداعياتها خطيرة، وهو ما يطرح سؤالا كبيرا عن كيفية مواجهتها ووضع حد لها، سؤال قد لا يحظى بإجابة سريعة وحاسمة بسبب الضعف والغفلة العربيين ليس على مستوى الأنظمة، بل على مستوى الأحزاب والجماعات السياسية والنخب.