14 سبتمبر 2025
تسجيلإن صح القول إن موجودات المصارف الإسلامية في قطر تضاعفت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية لتبلغ 195 مليار ريال نهاية عام 2012، فهذا يعني أن القطاع الفتي في نشأته مقارنة مع غيره المتين في أساسه المدعم بترسانة القوانين ذات المرجعية الإسلامية المحافظة على نموه بشكل يضمن له الربح والاستمرارية في وقت تتداعى فيه الاقتصادات المنفتحة على فيروسات الرأسمالية سيجعل الدولة الصاعدة مستقبلا بمثابة قبلة الاقتصاد الإسلامي الذي ينظر إليه العديد من المراقبين على أنه قد يصبح البديل الأوفر حظا للبنوك التقليدية. فميلاد أول فكرة للصيرفة الإسلامية في الستينيات من القرن الماضي وتقنينها إبان انعقاد مجمع البحوث الإسلامية بجدة عام 1965 بعد إعلانه الشهير "أن الفوائد كلها من الربا المحرم"، حيث تم الاتفاق على ميلاد أول بنك إسلامي وهو البنك الإسلامي للتنمية الذي باشر أعماله فعلياً عام 1975 وذلك لتقديم التمويل للمشروعات في الدول الأعضاء، وبنك دبي الإسلامي في ذات العام، ثم بنك فيصل الإسلامي المصري عام 1976.ولعل نجاح هذه الأفكار وتطويرها ارتقى بالصيرفة الإسلامية من مرحلة إثبات الوجود وجذب الزبائن إلى المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية في البلدان التي تحظى بالاستثمارات الممولة من طرف البنوك الإسلامية ومن ثم مرحلة النضج المبكر المبني على تحسين جودة الخدمات والسعي وراء التخصص وابتكار منتجات جديدة بتكلفة أقل، مما أهل قطاع البنوك الإسلامية للنمو بسرعة بلغت 15 % سنويا على مستوى العالم، و20% في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة الأخيرة، ويقدر خبراء مصرفيون أن الصيرفة الإسلامية حققت انتشاراً كبيراً خلال العشرين عاماً الماضية، وهناك ما يقارب 400 مصرف تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية، ويبلغ حجم تداولاتها 2 تريليون دولار تقريباً في 80 دولة حول العالم. وزاد حجم التمويل بالصكوك الشرعية في العالم العام الماضي بأكثر من 50 في المئة، لتصل قيمتها إلى 130 بليون دولار، متوقعين أن يصل بحلول عام 2015 ما يقارب 2.1 ترليون بنسبة نمو 30 في المئة. والأغرب من ذلك أن حوالي 300 بنك إسلامي في العالم الآن تقدر أموالها بـ 700 مليار دولار، ومن المنتظر أن تصل قيمة أموالها إلى تريليون دولار في هذا العام، ومع تعمق الخسائر المالية التي تعيشها البنوك التقليدية جراء الأزمة المالية العالمية ووقوفها مكتوفة الأيدي أمام حلول ناجعة وقدرة البنوك الإسلامية في الوقت ذاته على تجاوز تلك العقبات، بل وإصلاح الخلل، سواء من خلال الاستثمار المبني على التشريع الإسلامي أو من خلال إصلاح الأنظمة المالية التقليدية بإدخال التشريعات الضرورية المبنية على الشريعة الإسلامية، الأمر الذي فتح أعين الممولين والمستثمرين في أنحاء العالم على مدى قدرة هذا القطاع على التطور والاستمرارية، ولعل استعداد دول غربية من أرباب الرأسمالية في الوقت نفسه للترويج والمساهمة في رأسمال البنوك الإسلامية يدفع إلى التساؤل عن دوافع الرغبة والاستعداد الذي تبديه الدول الغربية للاستثمارات الإسلامية؟ وما المطلوب من العالم الإسلامي في الوقت الراهن للرقي بالصيرفة الإسلامية نحو المستوى المأمول؟ليس مستغربا أن تتحرك الدول الغربية لاستعطاف ومغازلة المصارف الإسلامية، ولا حتى إظهار التشجيع والاستدراج لها، سواء بالمشاركة في رأس المال أو عمل التشريعات والتسهيلات المناسبة لجذب النظام الذي ترى لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الفرنسي مثلا أنه تنبغي ضرورة الأخذ به لتصويب أخطاء النظام الرأسمالي المتعثر، فالدول الغربية في الوقت الراهن تنظر إلى البنوك الإسلامية بزاويتين مختلفتين، فمن جهة تزايد الحديث داخل مراكز القرار في الغرب عن مدى ثقة وقوة واستدامة النموذج المالي الإسلامي إلى درجة تلميح البعض أن المنتجات الإسلامية قد تقدم ملاذا آمنا في هذه المرحلة الحرجة بالذات، بدليل أن أكثر من 56 مؤسسة نقدية في أمريكا وأوروبا كانت هي الأقل تأثرا بالأزمة المالية، إلى حد أن الأزمة لم تمسها بالأساس، تعمل وفقا لنظام الصيرفة الإسلامية وبالتالي فالقبول بتهيئة كل الظروف الملائمة وبأقل ما يمكن من العراقيل لتوسع الصيرفة الإسلامية يعني السبق بالدرجة الأولى لقطاع مهم قد يحتل حيزا كبيرا من الكعكة الاقتصادية العالمية بعد الوعكة التي ألمت بقطاع البنوك التقليدية، وثانيا يسهل على المشرعين إيجاد آليات لدمج صيغ المعاملات الإسلامية ضمن النظام المالي الرأسمالي المعمول به حالياً، مما يسهل تصحيح العديد من المفاهيم الرأسمالية المبنية على الفوائد الربوية والإقراض بلا ضوابط، ومن جهة ثانية فإن احتياج الدول الغربية إلى الاستثمار، وخاصة الاستثمارات الإسلامية، لكون البنوك الإسلامية هي الوحيدة التي لم تتأثر بشكل مباشر من الأزمة المالية الحالية من جهة والنظر إلى الكتلة المالية الإسلامية على أنها كتلة معتبرة ستتمركز في أحد الأقطاب بعد تشكل الخارطة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فالترحيب بها واجتذابها سواء بالشراكة أو لتصحيح المفاهيم الرأسمالية قد يعين الدول الغربية على طمأنة اقتصادها في وجه التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. إذا كانت المصارف الإسلامية نفسها تتحرك بنفس الديناميكية نحو الغرب وتبدي نفس الرغبة التي تبديها الدول الغربية لاجتذابها بحثا عن الزبون وهو أمر طبيعي لكون مصائب البنوك التقليدية تحولت إلى فوائد للبنوك الإسلامية وبالتالي شكلت لها دفعة قوية رفعتها من حالة النضج إلى وضعية العالمية، في وقت ما زال عدد المسلمين المتعاملين بالبنوك الإسلامية شبه معدوم مقارنة بعدد المسلمين المتعاملين بالبنوك التقليدية، وهو أمر ينبغي على الدول الإسلامية النظر فيه لتوسع نطاق البنوك الإسلامية داخل أراضيها من جهة وعلى البنوك الإسلامية بالمقابل عدم تجاهل أكثر من 1.3 مليار نسمة من المسلمين لا مانع لديهم من التعامل مع البنوك الإسلامية، لكن درجة التحسيس التي تقوم بها المصارف الإسلامية داخل الأوساط الغربية ضئيلة مقارنة مع التحسيس داخل الدول الإسلامية.