29 أكتوبر 2025
تسجيلسأل المعلم التلميذ: يا بني صف لي حال العرب اليوم؟قال التلميذ: مشتتون، مفرقون،لا يجمعهم رابط أورابطة، ثاروا على القيم والمبادئ، واختاروا الفرقة.تأثر المعلم من إجابة الطالب، ووجد أن عليه أن يقوم بالواجب وأن يخبر والد الطالب سلطان بالنظرة السوداوية التي يستبطنها ابنه عن المستقبل.عندما حضر الأب إلى المدرسة قال المعلم:ابنك يا سيدي لا يرى العرب على حقيقتهم في الحفاظ على القيم والمروءة والشيم، ابنك يا سيدي مشروع ثائر على الأوطان!!استغرب الأب من كلام المعلم وقال له: هل تقصد ابني سلطان؟!إنه مهذب وخلوق ومتعاون ولست أدري لم تراه ثائرا غاضبا؟!المعلم: نعم يا سيدي أتفق معك في أنه خلوق ومهذب، ولكن من في مثل سنه عليه أن يرى الواقع من حوله بصورة مثالية جميلة شفافة، تخيل أنه يرى العرب مشتتون ممزقون حائرون، يتقاتلون ويتخلون عن بعضهم البعض؟!استغرب الأب من الإجابة وقال: ألا ترى أنك تريد أن ترسم لابني صورة مزيفة عن الواقع؟!إن الواقع صعب ومرير، ولا يمكنك أن ترمي بأطواق الورد على كومة من الرماد والحطام والدماء ثم تقول:إنه ربيع ونماء؟!المعلم: هل تتلفظ بمثل هذه الألفاظ السوداوية أمام أبنائك،إن عليك يا سيدي أن تنتقي ألفاظك أمامهم وإلا فإنك ستؤذي براءتهم، عليك يا سيدي أن ترسم صورا وردية تنتظرهم حينما يكبرون في أوطانهم الظافرة؟الأب: إذن ترى بأن علي أن أزوّر الواقع وأصفه بغير وصفه؟! أصور مثلا قتلى سوريا على أنهم كانوا أبطالا يقاتلون أعداء أتونا من أقصى الكرة الأرضية فدمرهم السوريون بأكثر الوسائل الحربية فتكا وتطورا!!المعلم: ومن قال لك أن تأتي على ذكر أخبار سوريا أصلا.الأب: عن ماذا أتحدث في بيتي إذن؟!المعلم: حدثهم عن مدينة الملاهي التي ستأخذهم لها في عطلة نهاية الأسبوع حدثهم عن وجبة عشاء فاخر في مطعم أنيق تريد أن تتناولها معهم فيه.حدثهم عن إجازة الصيف، وكيف أنك ستأخذهم لفرنسا وألمانيا، حدثهم عن الحياة المرفهة التي يعيشونهاالأب وهو يصطنع الاهتمام: وماذا أيضا أيها المعلم النابغة، ماذا علي أن أفعل أيضا كي أربي أبنائي تربية صحيحة؟!المعلم وقد أعجبه وصفه بالنابغة: هناك أمور كثيرة تشعر أبناءك بأنهم يعيشون حياة كلها فرح وحبور، مناسبات عيد الميلاد، ايام الزيارات العائلية، مواسم الشتاء والمطر،مواسم السفر والاستعداد للسفر،أكثر من ابتكار مناسبات تبهج بها قلوب أبنائك.الأب وهويتصنع الاهتمام بكلام المعلم: أنت تثير إعجابي بكلماتك الجميلة ورؤاك التربوية الثاقبة، ماذا علي أن أصنع أيها العلم حينما يسألني أطفالي عن بعض الأخبار التي تأتيهم رغما عني ويكون فيها نقلا عن أطفال جوعى وقتلي ومصابون؟!الأب: بحنكتك وذكائك أحضر عامل الأسلاك واجعله يخفي القنوات الإخبارية وأكثر من القنوات الترفيهية.سأل الأب: القنوات المخصصة للأطفال؟!!المعلم: نعم يا أبا سلطان، كل قناة تقدم الترفيه واللهو الخفيف اجعلها متاحة للأطفال.الأب: ولكن ألا تخشى أيها المعلم المتميز الحاذق أنني هنا سأفرط في تدليل أطفالي وسأغيبهم تماما عن الواقع؟المعلم: وكيف تكون أبا جيدا إذا لم تصطنع عالما من الفرح الدائم لأبنائك؟الأب: ولكن الأطفال يكبرون، فماذا أصنع والأطفال يكبرون؟!المعلم: حينما يدمن الناشئة اللهو والمرح لا يعودون بعد ذلك قادرين على الجدية وتحمل مشاق الواقع ومتابعة أخباره.عند هذه الجملة وقف الأب وقال بنبرة صوت حادة: أنت لا تصلح لتكون معلما ولا حتى فراشا بمدرسة، مكانك بائع حلوى في مدينة الملاهي.. لقد جاريتك لأعرفك أكثر، وقد عرفتك، ولن أطيل الحديث معك أكثر.لم يهدر أبوسلطان المزيد من الوقت مع هذا المعلم الجاهل بأسس ومقومات التربية الواعدة وانطلق مسرعا إلى غرفة المدير.قال الأب غاضبا: يريد معلم ابني سلطان أن أغيب ابني عن معرفة الواقع، يريد فقط أن يعيش حياته لاعبا فرحا لا يمل اللهو وعيش الترف.المدير: وما الذي يغضبك من توجيه معلم يريد السعادة لابنك وإراحة رأسه من أي ألم؟!الأب: وأنت أيضا تريد لغلام عمره أحد عشر عاما أن يعيش مغيبا عن الواقع؟!المدير: وما الذي استفاده الكبار من معرفة الواقع، ولمذا تريد لبراءة طفلك أن يجرحها الواقع المحبط الكئيب؟!هنا وقف الأب مختصرا الحديث وقال: إذا كانت رؤيتك التربوية أيها المدير بهذه الضحالة، فإنني أذكرك بأن العالم ابن الجوزي الذي ملأ الدنيا علما شمر عن ساعد الجد وعمره تسعة أعوام.كذلك أحمد بن حنبل، والشافعي الذي حضر حلقة الإمام مالك بن أنس وعمره لم يتجاوز العشرة أعوام.أما العالم ربيعة الرأي فلقد ساد مجالس العلم يافعا، وابن عباس طلب العلم وعمره لم يتجاوز الأحد عشر عاما.أما محمد الفاتح فلقد ربته أمه طفلا ليفتح القسطنطينية وقد فتحها، كذلك الأمر مع سيدنا معاوية الذي ربته أمه ليسود العرب وقد سادهم وتولى الخلافة.إن الأمثلة الحاضرة في ذهني كثيرة عن الأطفال الذين نبغوا مبكرين جدا ولا يسعني المقام لكي أحصيهم لك أيها المدير الذي تريد أن تعلم أبناءنا فقط كيف يطفئون الشموع في أعياد ميلادهم وكيف يتمسكون جيدا بالمراجيح حتى لا يقعوا من فرط الضحك.بعد اليوم لن يداوم ابني سلطان في مدرستكم، وسوف أبحث له عن مدرسة أخرى بها معلمون حقيقيون وليس صانعو أوهام.