10 سبتمبر 2025
تسجيلالفراغ ممل، أعاني من فراغ قاتل... نردد أحيانا أشكالا من هذه الجمل ارتبطت بحياتنا، وهي ما تعني كل مرادفات الملل، ويراودنا شعور قاس بالضيق والضجر، ونعتبر الفراغ وقتا سيئا ليته لا يعود، فنحمله مسؤولية كل ما بنا من مشاعر سلبية. ولا شك أن الفراغ له أسبابه التي تتعدد بتعدد الظروف الحياتية لكل إنسان، لكنه في النهاية سبيل للتذمر لدى الجميع. فهل المشكلة الحقيقية تكمن في الفراغ نفسه، أم في التعامل معه؟ وما أعتقده أن كل ذلك ربما لأننا لا نفهم حقيقة معنى كلمة فراغ، أو أننا نجهل كيفية التعامل مع هذه اللحظات من الخواء في حياتنا بطريقة صحيحة، وقد نكون نحن من نخلق الفراغ والملل لأنفسنا أحيانا بسبب سوء فهمنا وتقديرنا، فحسن التعامل مع هذه المساحة الخالية في حياتنا قد يكون فيه سر سعادتنا. والذي قد نغفله حقا هو الأهمية الإيجابية لتلك اللحظات، فمع مرور الأيام والوقت أشعر بأننا نحتاج كثيرا لمساحة الفراغ التي كنا نتذمر منها ونكرهها، وإن تلك المساحة القصيرة هي أحيانا وقت ثمين وضرورة لا بد منها، والمطلوب منا أن نغير نظرتنا إلى الفراغ، لأننا إذا نظرنا له على أنه مشكلة فسيكون حقا مشكلة مستعصية، وسيزج بنا في متاهات ومشاكل حياتية لا تنتهي، لكننا إذا تعاملنا معه كزائر لطيف، تتغير هذه المشاعر السلبية نحوه، فتجعلنا بمرور الوقت ننظر إليه على انه نعمة وليس نقمة، ورفاهية لا تتحقق للبعض، يبتعد فيها الإنسان عن العمل وضغوطات الحياة، وقد نجد أحيانا أنفسنا وحقيقتنا ومتعتنا في هذه المساحة من الفراغ. وأذكر أنني قرأت كتابا لمصطفى محمود كان يقول في أحد موضوعاته: (إن نفوسنا المسكينة محاصرة بالواجبات والالتزامات، التزامات العائلة، والتزامات المدرسة، والتزامات الوظيفة، والتزامات الطبقة الاجتماعية التي ننتمي لها، والتزامات الصداقة والمجاملة، وفي وسط هذه المطاردات التي يطاردنا فيها الآخرون، نبحث لنا عن لحظة تكون ملكنا، نبث فيها مكنونات قلبنا وذات نفوسنا وأشواقنا. وأشعر أن اللحظة التي نحتاجها والتي يعنيها الكاتب، هي تلك المساحة الزمنية التي نطلق عليها الفراغ، والتي تصبح بمرور الوقت هي الواحة التي نحتاج أن نهدأ في ظلها قليلا، فكلنا بشر نحتاج أن نجلس مع أنفسنا، ونمنحها لحظات استرخاء خاصة تساوي لدينا الكثير، نملأها بما يسعدنا ويشدنا، سواء في استعادة ذكرى جميلة أو انطلاق للبحر، أو في مقهى وقهوة وجريدة، أو كتاب طالما أجلنا قراءته أو اشتقنا أن نعود إليه، أو في أحد البرامج التي يجد فيها الإنسان مادة تشده وتفتح صفحات نفسه، فيملأ بعده الفراغ الذي في داخله بما يستهويه، وتنفرج في نفسه بعدها طيات من الضيق. لقد أصبحت مساحة الفراغ في حياتنا تستحق منا أن نعتني بها عناية خاصة، وندع الفرصة لأنفسنا لأن نستمتع بها وننتظرها بشوق، ألا تستحق منا أنفسنا أن نمتعها قليلا بأوقات نجد فيها ذاتنا، وهويتنا، وذوقنا وإرادتنا، بعد أن خيم على حياتنا الكثير من جفاف المشاعر، وتشوشت رؤوسنا بالهموم والمشاغل، وأثقلت كاهلنا مسؤوليات الحياة. فلنجدد حياتنا بملء لحظات فراغ قصيرة، أو قد تكون طويلة فرضتها علينا ظروف الحياة، تجعلنا نقبل بعدها على الحياة أكثر.