12 سبتمبر 2025

تسجيل

مستقبل أفغانستان يبدأ في قطر

22 يناير 2012

أفادت تقارير إخبارية مؤخراً بأن حركة طالبان ستقوم بفتح مكتب لها في دولة قطر. ويعتقد كثيرون أن هذه الخطوة من الممكن أن تمهِّد لإجراء محادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. بدأت الحرب في أفغانستان في أكتوبر 2001 - بعد ثلاثة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر من قبل تنظيم قاعدة أسامة بن لادن. وبما أن تنظيم القاعدة قد تأسس في أفغانستان، ويتمتع بحماية من حركة طالبان، فلقد قامت الولايات المتحدة بغزو البلاد بهدف القضاء على تنظيم القاعدة. اعتقد معظم الناس في ذلك الحين بأن الحرب سوف تضع أوزارها خلال بضعة أشهر ولكن حتى الآن ما زالت الولايات المتحدة تقاتل حركة طالبان المتمرِّدة على نطاق واسع. بعد أكثر من عقد من الزمان، أصبحت الحرب في أفغانستان أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة متجاوزة في ذلك حرب فيتنام. وبغض النظر عن طول مُدَّتها، فإن الحرب في أفغانستان تعتبر الأكثر تكلفة ضمن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أي وقت مضى مع إجمالي نفقات وصل إلى 489 مليون دولار أمريكي وما زال الإنفاق مستمراً بحسب ما أورده موقع costofwar.com الذي يقيس ارتفاع تكلفة الحرب في الثانية الواحدة. وفقاً لمؤشر أفغانستان في معهد بروكينغز، فإنه قد تم قتل 1841 جندي أمريكي فيما أصيب 14.969 في العمليات منذ بداية الحرب في عام 2001. وقد تم تشريد ونزوح ما يقارب من 352.000 شخص داخلياً في البلاد حتى ديسمبر 2010. ورغم أنه لا يوجد إحصاء رسمي لعدد المدنيين الذين قتلوا منذ عام 2001، فإن التقديرات تشير إلى أن عشرات الآلاف من المدنيين قد لقوا حتفهم في الحرب الجارية هناك. بعد أحد عشر عاماً من القتال، اعترفت الولايات المتحدة أخيراً بالحاجة لإجراء محادثات مع حركة طالبان خصوصاً أن الجماعة قد غيَّرت تكتيكاتها وبدلاً من العمل في الخفاء واصل المتمرِّدون عملياتهم في شكل حرب عصابات ضد القوات الأمريكية. لقد أدركت الولايات المتحدة أن الرئيس الأفغاني الحالي حميد كرزاي له القليل من السيطرة على البلاد باستثناء بعض المناطق التي لديه فيها نفوذ. ومن أجل وضع استراتيجية قابلة للتطبيق للخروج من هذه الحرب المطولة، كان لزاماً عليهم البدء في مفاوضات مع حركة طالبان. في عام 2009 أثناء مراقبة الانتخابات في أفغانستان، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، "في كل مرة نطلق فيها واحدة من طائراتنا من دون طيار من قاعدة كنساس ونقتل مائة شخص، نصنع مائة ألف من الأعداء الجدد". وأضاف كارتر: "أود أن نتفاوض مع السكان المحليين بدلاً من زيادة عدد القوات". هناك نحو 40 مليون من البشتون في جميع أنحاء العالم من بينهم أكثر من 14 مليون شخص في أفغانستان و28 مليونا في باكستان. بغض النظر عن عددهم الكبير، فللبشتون تأثير قوي في آسيا الوسطى وروابطهم العائلية عميقة. لذا، فإنه من المهم، كما قال كارتر، بالنسبة للولايات المتحدة أن تعقد محادثات وتتفاوض مع حركة طالبان بما أن أكثرية أعضائها ينتمون إلى إحدى الجماعات العرقية الرئيسية في أفغانستان. ومؤخرا أثارت تصريحات نائب الرئيس جو بايدن الجدل عندما أعلن في مقابلة مع مجلة نيوزويك بأن "حركة طالبان في حد ذاتها ليست عدوّاً لنا". وأضاف: "لم يدلِ الرئيس مطلقاً في أي من تصريحاتنا السياسية بأن حركة طالبان هي عدونا لأنها تهدد مصالح الولايات المتحدة". كذلك ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في تصريح لمجلة السياسة الخارجية "ذا كيبُل": أنها "سوف تدعم المصالحة مع عناصر طالبان الذين هم على استعداد للخروج من ساحة المعركة، شريطة نبذ العنف وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة ودعم الدستور الأفغاني وأن يكونوا جزءً من العملية السياسية". في حلقة نقاش بمركز وودرو ويلسون الدولي في نوفمبر من العام الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، "ليس لدي أي اعتراض من حيث المبدأ على التفاوض مع حركة طالبان". لكنه أضاف أنه: "إذا كانت هناك مفاوضات مع حركة طالبان، فإنها ينبغي أن تكون في إطار المفاوضات الإقليمية متعددة الأطراف". وقد أعلن الرئيس أوباما في العام الماضي أن الولايات المتحدة سوف تسحب قواتها وتقوم بتسليم المهمة الأمنية في نهاية الأمر إلى السلطات الأفغانية بحلول عام 2014. وقد تتمكن الولايات المتحدة من خلال المحادثات مع حركة طالبان من إيجاد وسيلة لإدخال الجماعة في العملية السياسية لتصبح جزءً من الحكومة الأفغانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين إدارة الرئيس أوباما والرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون. ففي بداية عهده، كان جونسون يعتقد بضرورة احتواء نفوذ الشيوعية، ولهذا قام على النقيض من أوامر سلفه القاضية بسحب القوات العسكرية بزيادة أعدادها في حرب فيتنام. ولكن مع تصاعد عدد الضحايا، أصبحت سياسة جونسون لا تحظى بشعبية لدى الرأي العام الأمريكي، وأدرك الرجل أنه لا يمكن كسب تلك الحرب ولذلك سعى لتحقيق تسوية سلمية. وبالمثل، فإن الرئيس أوباما يواجه اليوم نفس الوضع. ومع ذلك، فإن قرار الرئيس أوباما بالتفاوض مع حركة طالبان مثير للشكوك، خاصةً أن هذا القرار أتى في نهاية فترة إدارته حيث ستكون الانتخابات المقبلة في شهر نوفمبر من هذا العام. كان أحد الوعود التي قطعها الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية هو إغلاق سجن خليج جوانتانامو، ولكنه لم يتمكن حتى الآن من الوفاء بذلك الوعد. فهل تتجه إدارة أوباما من خلال المحادثات مع حركة طالبان لإغلاق فصل من فصول الحرب الأفغانية عن طريق التفاوض على إطلاق سراح البقية الباقية من سجناء جوانتانامو، وفي الوقت نفسه الوفاء بوعد أوباما لإغلاق السجن؟ لقد طالبت حركة طالبان بالفعل بأن يتم نقل بعض السجناء المحتجزين في خليج غوانتانامو إلى دولة قطر. وقد سعوا مؤخراً للإفراج عن ثلاثة من كبار قادتهم مقابل إفراجهم عن جندي أمريكي كان قد أُعتقِل في أفغانستان قبل عامين ونصف. ومع ذلك، قد يشكل هذا الأمر مشكلة محتملة بالنسبة لدولة قطر خصوصاً أن الأحكام الواردة في دستور البلاد لا تسمح باعتقال أي شخص من دون محاكمة. فالمادة 36 من الدستور القطري تنص على أن " الحرية الشخصية مكفولة، ولا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. ولايعرَّض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون". ومن خلال إجراء محادثات مع حركة طالبان، يبدو أن الولايات المتحدة تحاول تطبيق سياسة فرِّق تَسُد بغية الفصل بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة (بين الأفغان والعرب) بحيث يمكنها حصر نفوذ حركة طالبان داخل أفغانستان فقط. وهذا يشير على نحو ما بأن نفوذ تنظيم القاعدة قد تراجع بعض الشيء خاصةً بعد مقتل أسامة بن لادن، فمنذ ذلك الحين، لم نسمع أي أخبار عن نشاطات تنظيم القاعدة. كما كان للربيع العربي الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط في العام الماضي تأثير كبير في تقليص نفوذ تنظيم القاعدة على الجماهير. فرغم أن أفكار ابن لادن وتنظيم القاعدة لم تختفِ تماماً من الساحة، إلا أنها ضعُفت لأن الجماهير أصبحت هي السُلطة لإدراكهم أن بإمكانهم الحصول على مطالبهم دون اللجوء إلى دعم جماعات أو أفكار معينة. فقد أظهر الربيع العربي أن الناس بإمكانهم إجراء التغييرات التي يريدونها لمجتمعاتهم بأنفسهم. والآن وبعد أن أصبحت الأفكار القديمة لا تتمتع بالنفوذ الذي كانت تحظى به، صار الغرب يُسوِّق لنوع جديد من الفكر ألا وهو الإسلام المعتدل والذي يتجسَّد في جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات التي اكتسبت السلطة من خلال الانتخابات بعد الإطاحة بالأنظمة العربية القديمة. إن على الدول الغربية التي تحاول الدفع بهذه الأفكار أن تستفيد من أحداث الماضي التي تحمل كثيراً من العِبَر حتى لا يعيد التاريخ نفسه. من خلال استضافة مكتب طالبان في دولة قطر، يمكن للدولة مرة أخرى أن تلعب دورا أساسياً في مستقبل أفغانستان. وبغض النظر عن وجود قاعدة أمريكية في دولة قطر، فإن أمن قطر واستقرارها يهيئان بيئة مثالية لعقد محادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وأيضاً، فإن قطر كانت دائماً وما زالت لها سمعتها كداعية للإصلاح. وليست هناك طريقة لإبراز الدور الإصلاحي لهذا البلد أفضل من أن يصبح وسيطاً بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في نسختها المعتدلة الجديدة. بذلك، يمكن لقطر أن تصبح رائدة في مجال إدخال الإسلام المعتدل في ميدان السياسة. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]