20 سبتمبر 2025
تسجيلعقدان من الزمن بين فرية الجيش الإسرائيلي عن استخدام المقاومة الفلسطينية لمجمع الشفاء الطبي في غزة لأغراض عسكرية، ووجود أسلحة وذخائر لمقاتلي حركة حماس في داخله، وإيوائه لأسرى إسرائيليين، والفرية التي روجتها أمريكا عام 2003 عن وجود أسلحة دمار شامل، وعلاقة النظام العراقي مع تنظيم القاعدة، وتولّى كِبر الترويج يومها المخابرات الأمريكية وبلسان وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، ولكن مع بسط الاحتلال الأمريكي أياديه وأرجله على العراق، تبين تهافت تلك الكذبة، ولعل التاريخ سيؤرخ لتاريخ المخابرات الأمريكية عن شخصيتها قبل وبعد ذلك التاريخ المشؤوم، حين انهارت مصداقيتها أمام العالم كله، فلم تعد تملك ذلك الرصيد السابق. اليوم يتكرر السيناريو تماماً بترويج الجيش الإسرائيلي لسردية كاذبة عن وجود هذه المبررات لاقتحام مشفى مدني تصونه كل الشرائع السماوية والأرضية، بل ويتخذ الجيش الإسرائيلي من هذه السابقة مثالاً للاعتداء على مشاف أخرى مرتبطة بدول كالمشفى الأندونيسي والتركي وغيرهما. وكما قال كارل ماركس إن التاريخ في المرة الأولى مأساة، وفي الثانية ملهاة، ولعل هذا ما ينطبق على المثالين العراقي والغزيّ، ولكن في الحالة الغزية ربما يكون التاريخ ملهاة ومأساة في عين الوقت، بعد أن ثبت بطلان وكذب المرة الأولى واعتذرت عنها الإدارة الأمريكية، كما اعتذرت بعد ساعات على تلقف وتكرار سردية نتنياهو عن قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال، وهو ما ثبت كذبها. لا حاجة اليوم لتأكيد أن رواية الجيش الإسرائيلي كاذبة، ونحن نرى ونقرأ تقارير محطة السي إن إن وغيرها عن تهافت هذه الرواية، والمقارنة بين مقطعين للفيديو من صنع الجيش الإسرائيلي الأول بثه للمشفى قبل اقتحامه والثاني بعد اقتحامه، وكيف ظهر إدخال أسلحة إسرائيلية إلى المكان، يثبت بكل وضوح كذب الجيش الإسرائيلي في روايته عن استخدام حماس للمشفى لأغراض عسكرية، وعضّد هذا تكذيب محطة البي بي سي للرواية الصهيونية حين قال روس أتكينز، مذيع قناة «بي بي سي» البريطانية، إن «إسرائيل وصفت مستشفى الشفاء بأنه المقر الرئيسي لعمليات حماس، لكن ما نراه في فيديو الجيش الإسرائيلي لا يعكس ذلك»، والظاهر أن المحطات العالمية التي ضحت بصدقيتها مع بواكير العدوان الصهيوني بدأت تدرك أن مصداقيتها تلاشت ولابد من ترميمها عبر تكذيب السردية الصهيونية، للتظاهر بالحيادية والموضوعية. الفارق الوحيد بين الروايتين الإسرائيلية في غزة والأمريكية في العراق، في حالتي أن الأخير لم يستخدم تلفيق إدخال أسلحة دمار شامل إلى العراق المحتل من قبله ليؤكد على صدقية روايته وسرديته في احتلاله العراق، وهو ما فعله الجيش الإسرائيلي، ليبرر وحشيته، وما فعله بحق المدنيين والأطفال الأبرياء، وحتى المدنيين الذين فروا من جحيم غاراته، ليلجأوا إلى المشفى ظناً منهم أنه مكان آمن من العربدة الصهيونية. الجيش الإسرائيلي مصاب اليوم بالذهول والإحباط والدهشة والخيبة، لعجزه عن تحقيق أي نصر عسكري يروجه لحاضنته، إذ لم يتمكن مع اقتراب الحرب من يومها الخامس والأربعين من إسكات صواريخ المقاومة، في الوقت الذي تمكنت أمريكا من إسكات صواريخ سكود العراقية في الأيام الأولى للمعركة، كما عجز وفشل في الوصول إلى أي من قادة المقاومة السياسية والعسكرية وهو ما يعكس مدى إحباطه من عدوانه كله، وهو الذي كان يستهدف قادة المقاومة في السابق، مما يعني تطوره في عجزه، مقابل تطور المقاومة في ذكائها وصمودها، وقدرتها على التعامل مع عدو تعيش في أحضانه، ومع هذا قاومته وانتصرت عليه حتى الآن، فمجرد الصمود بوجه الاحتلال وعجزه عن القضاء على هذه المقاومة التي تعيش في أحضانه يعد انتصاراً، فقد أثبتت المقاومة بصمودها فشل تل أبيب أمنياً وعملياتياً. العرض الذي قدمته المقاومة الفلسطينية على اللجان الدولية لزيارة المشافي للتحقق من صدقية قولها، وكذب الرواية الإسرائيلية أحرج بالتأكيد تل أبيب والقوى الغربية الداعمة لها، وجعل أمريكا في وضع صعب لا يمكن أن تواصل منح إسرائيل شيكاً على بياض للأبد، وبالتالي غدا من المتعسر على الجيش الإسرائيلي مواصلة عملياته العسكرية مستهدفاً المدنيين والمنشآت المدنية، مما سيغدو من المستحيل إعلان نصر عسكري إسرائيلي على المقاومة، وهو ما يُعد أول إعلان فشل عسكري إسرائيلي في تاريخها. العدوان على غزة لم يؤكد على حقيقة أن الجيش الإسرائيلي ما هو إلاّ عصابة متوحشة، فوضع كل من دعمه وسانده خلال هذه الحملة بموقف محرج جداً، ضحى من خلاله بكل قيمه الأخلاقية التي سعى للترويج لها على مدى عقود.