20 سبتمبر 2025

تسجيل

فكرة المجتمع عن ذاته

21 نوفمبر 2019

لا يخرج تطور أي مجتمع عن فكرته عن ذاته. التطور أصلا هو فكرة إيجابية عن الذات وقدرتها وإمكانيتها. كل شيء يستمد وجوده من تصورنا له. أسباب التغيير على مر التاريخ هي في عدم رضا المجتمع عن ذاته. متى ما رضي المجتمع عن ذاته، ابتعد عن التطور الإيجابي، والمجتمع أساسا تصور ذهني، لا يحتاج الفرد للتدليل على ذلك سوى الشعور بأنه ينتمي إلى مجتمع. اليوم في العالم المتقدم، هناك عملية مستمرة ودائمة يُقيّم من خلالها المجتمع وجوده، ودرجة رضاه عن هذا الوجود، ومدى قناعته بذاته، فهي فكرة مستمرة دائما في ذهن المجتمع . مؤسسات قياس الرأي العام الكبرى في العالم الغربي في ديناميكية مستمرة، لقياس شروط المجتمع، ومدى توافرها ومواكبتها للعصر في جميع المجالات . فللأشخاص هناك مدخلات ضمن هذه الشروط، وضمن فكرة المجتمع عن ذاته، وليس هم من يُكون أو يفرض تصورا معينا للمجتمع ذاته. وسائل الإعلام الكبرى كذلك مهمتها الأساسية ليس الترفيه، أو نقل الخبر، أو تجاوز المجتمع من خلال الدعوى بأن لها وظيفة أخرى. وسائل الإعلام هناك مهمتها الأساسية تحسين صورة المجتمع عن ذاته، من خلال النقد الذاتي المستمر، هل سمعتم عن أناشيد تمجد الرئيس أو المستشار مثلا؟. كلما أطنبنا في المديح والشعارات وتأليه الأفراد، ابتعدنا عن التوازن النفسي للشعوب، وبالتالي عن تكوين صورة إيجابية للمجتمع عن ذاته. أنماط التعبير عن رضا المجتمع عن ذاته كثيرة، وكذلك تلك التي تنم عن عدم رضاه عنها أيضا. الخطورة في حالة توطين فكرة المجتمع عن ذاته سلبا كان أم إيجابا، كلاهما خطر على المجتمع، الأساس في الأمر أنه تقييم مستمر كالخط البياني للأداء، توطينه إيجابا سيدخلنا في التاريخ الماضوي، كالذي نعايشه ونتغنى به باستمرار، دون إنجاز حضاري مشهود. كما أن توطينه سلبا سيدفع إلى القنوط والتشاؤم واللامبالاة والإهمال، ومن ثم الاغتراب عنه. لقد انكسر الطوق اليوم في بعض المجتمعات العربية، والدور على الآخرين، مما يفتح المجال لإعادة التفكير في منهجية جديدة حول تكوين المجتمع فكرته عن ذاته. يجب أن لا تصادر وتثبت من أي جهة كانت، يجب أن يُفتح المجال لعملية سياسية جديدة دون عوائق، يعيد فيها المجتمع اعتباره لذاته. ما قامت به المجتمعات ليس سوى تصحيح لفكرتها عن ذاتها المطموسة طوال هذه العهود والأزمنة. فكرة المجتمع عن ذاته محصلة لتاريخه الذي يصنعه، شعوبنا اليوم تصنع تاريخا على أمل أن تتمكن من إعادة الشعور بذاتها المهدورة والمصادرة، تحت مسميات وعناوين كبرى لم تحقق إلا سرابا.   [email protected]